من لا يشكر الناس لا يشكر الله
هنا نابل / بقلم المعز غني
لسنا نختار حين نحب ، ولا نُحسن الحب حين نختار ، فالحبّ قدر يأتي على حين غِرّة ، كما يأتي المطر على أرضٍ عطِشى ، لا يستأذن ، لكنه يُحيي.
ومحبة الناس رزق ، والرزق إذا كان قلوبًا صافية فهو أعظم من كنوز الذهب ، وأبقى من ميراث الأرض ، وأصدق من كل مظاهر الثراء.
فطوبى لمن أُغدقت عليه محبة الناس ، وطوبى أكثر لمن عرف أن يحفظ هذا الرزق بالشكر .
” ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله” …
حكمة ليست جملة عابرة ، بل ميزان قِيم ، وبوصلة أخلاق ، وسُلّم يرتقي به الإنسان من مقام الطبع إلى مقام النُّبل.
فالشكر ليس كلمات تُقال عند اللزوم ، ولا جُملًا تُكتب في مواسم الفرح فقط ، الشكر روح تسكن القلب ، وتفيض على اللسان ، وتترجمها الأفعال في الخفاء قبل العلن .
الشكر لله أولًا وآخرًا ، لأنه المنعم وإن تعددت الأسباب ، وهو الرازق وإن تنوعت الأبواب ، وهو الساتر وإن كثرت الذنوب ، وهو الهادي وإن اشتدت الطرق.
وما رضاه سبحانه إلا برضا الوالدين ، فمن شكرهما فقد طرق باب السماء من أوسع أبوابه ، ومن أحسن إليهما فكأنما بنى له في الجنة بيتًا لا تزعزعه رياح الزمان .
وما رضاء الله إلا برضا الوالدين
ثم الشكر لكل إنسان دعا لك من قلبه دون إنتظار مقابل ، لكل من قال فيك كلمة طيبة فرفعتك ، ولكل من آمن بك حين شككت أنت في نفسك ، لكل من ساندك يوم كنتَ هشًّا ، وربت على كتفك حين كانت الدنيا ثقيلة.
الشكر لأولئك الذين مرّوا في حياتك مرور المطر ، لم يُحدثوا جلبة ، لكنهم تركوا أثرًا أخضر لا يزول.
فمحبة الناس لا تُشترى بكنوز الدنيا ، ولا تُستجدى بتزكية النفس ، بل تُكسب بالصدق ، وتُحفظ بالإخلاص ، وتُنمى بحسن الخُلُق.
اللهم حبِّبنا في عبادك …
ليس لأننا نطلب تصفيقًا ، بل لأننا نرجو قلوبًا سليمة ، وأثرًا جميلًا ، وسيرة إذا ذُكرت قيل : كان إنسانًا.
نرجو وجوهًا إذا لقيناها أشرقت ، وأرواحًا إذا جاورتنا طابت.
العِشرة الصادقة ليست طول العهد وحده ، بل صدق الود ، ونقاء القصد ، وعفّة القول ، وأمانة الغياب.
والصداقة الخالصة لا تقوم على منفعة ، ولا تُقاس بكمّ المنافع ، بل تُقاس بعمق المودّة ، وبسكينة الحضور ، وبصدق النية حين تَغيب الأنظار.
أمّا العلاقات التي تُبنى على النفاق والتملق فسرعان ما تنهار ، كبيوت من ورق في أول ريح .
في هذه الحياة ، لا يملك الإنسان إلا ثلاثًا :
سُمعة طيبة ، وقلبًا نقيًا ، وأثرًا جميلًا .
فالتربية خُلُق ، والأخلاق دين ، والثقة رأسمال لا يُشترى.
ومن ضيّع خُلقه أفلس ولو ملك الدنيا ، ومن حَفِظَه أغناه الله ولو قلّ ما في يده .
وأُعاهدكم …
أن أبقى كما أنا ، بسيطًا في فَرَحي ، عميقًا في حزني ، صادقًا في ودّي ، وفيًّا في عهدي،
شاكرًا لكل جميل ، صابرًا على كل عسير.
لن أتغير لأن الطريق طال ، ولن أنكسر لأن الريح عاتية ، فالشكر درعي ، والرضا زادي ، والثقة بالله سلاحي .
سلامٌ على كل يدٍ صافحتني بنيةٍ طيبة ،
وسلامٌ على كل قلبٍ أحبّني في الله ،
وسلامٌ على كل كلمة صادقة رفعتني ،
وسلامٌ على كل دعوة صالحة حملتني إلى حيث لم أبلغ .
الحمد لله الذي وهب لنا أحبةً أغلى من كنوز الأرض …
ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله .
بقلم المعز غني عاشق الترحال وروح الاكتشاف
من لا يشكر الناس لا يشكر الله


