الرئيسيةمقالاتحين يتحول الجناح الى قيد
مقالات

حين يتحول الجناح الى قيد

حين يتحول الجناح الى قيد

حين يتحول الجناح الى قيد

بقلم/نشأت البسيوني 

 

في هذه الصوره يقف الطائر شامخا في ملامحه ثابتا في نظرته وكأنه خلق للطيران الحر في فضاء لا تحده سماء ولا تقيده ارض لكنه رغم ذلك محاط بقيود صامته لا تصرخ ولا تصدر صوتا لكنها تمسك به بقسوه الحبل يلتف حول قدميه والمقص مغروس في جسده كأنه جزء منه لا ينفصل عنه هذا الطائر لا يبدو ضعيفا ولا منكسر الجناحين بل يبدو واعيا بحقيقته مدركا لما وضع فيه كأن 

الرساله هنا لا تتحدث عن العجز بل عن الوعي بالقيود عن الانسان الذي يعرف انه قادر على الطيران لكنه ما زال مقيدا اما خوفا او اعتيادا او قهرا او خداعا النفس البشريه كثيرا ما تشبه هذا الطائر تمتلك القوه والقدره والرغبه في التحليق لكنها تحمل داخلها مقصا يقطع جناحها بنفسها وتربط اقدامها بحبال صنعتها من شكوكها ومن تجاربها القاسيه ومن كلام الناس ومن خوفها من الفشل ومن 

رعبها من المحاوله هذا الطائر لا يحتاج من يفك قيده بقدر ما يحتاج ان يؤمن انه لم يخلق ليبقى واقفا في مكانه وان المقص الذي يجرحه هو ذاته الاداه التي يمكن ان تحرره لو احسن استخدامها فالمقص هنا رمز مزدوج قد يكون اداة كسر وقد يكون اداة خلاص حسب اليد التي تمسكه وحسب القرار الذي يتخذ في اللحظه الفاصله بين الاستسلام والاختيار الانسان كثيرا ما يجلد 

نفسه بوسائل ظنها يوما وسائل امان فيتمسك بما يؤلمه ويخاف مما ينقذه يظل واقفا بين رغبه الطيران وواقع القيد بين حلم الانطلاق وصوت العقل المذعور من السقوط فيختار الثبات لانه اعتاد الالم واعتاد القيد واعتاد ان يرى السماء ولا يلمسها هذا الطائر لا يصرخ لان الوجع الحقيقي لا يحتاج صوتا بل يحتاج فهما ولا يهاجم لان معركته ليست مع العالم بل مع ما علق به من داخله 

المعركه الحقيقيه ليست في الحبال بل في الاقتناع بانها قدر وليست اختيارا ليست في المقص بل في التسليم بانه جزء من الجسد وليس اداه يمكن نزعها الانسان حين يرى هذه الصوره يرى نفسه في لحظه صدق نادره يرى كيف يتحول الخوف الى قيد وكيف يتحول الصمت الى حبل وكيف تتحول الادوات الى اسلحه ضده يرى ان اقسى السجون ليست من حديد بل من افكار وان اكثر 

القيود قسوه هي التي لا يراها الا بعد ان يعتاد ثقلها هذا الطائر يذكرنا بان الحريه لا تمنح دائما بل تستعاد وان الطيران لا يبدأ من الجناح بل من القرار وان اول خطوة للتحرر هي الاعتراف باننا مقيدون ليس لاننا ضعفاء بل لاننا لم نقرر بعد ان نكسر ما يربطنا بالارض في هذه الصوره درس عميق يقول ان الانسان قد يولد حرا لكنه يتعلم القيد وقد يخلق للطيران لكنه يختار الوقوف وقد يمتلك 

المقص لكنه يخشى ان يقطعه فيتحول الخوف من الالم الى الم دائم والخوف من السقوط الى سقوط بطيء بلا حركه وهنا تصبح الصوره مرآه قاسيه لكنها صادقه تسأل كل من ينظر اليها سؤالا صامتا هل انت هذا الطائر الذي ينتظر من ينقذه ام الذي ينتظر الشجاعه لينقذ نفسه

حين يتحول الجناح الى قيد

حين يتحول الجناح الى قيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *