الافتراء على نعمة الله قمة الغباء
بقلم: محمد عزوز
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾
صدق الله العظيم
لأن النعمة في حقيقتها ليست ملكًا لصاحبها، وإنما وديعة مؤقتة واختبار دقيق. كثيرون يظنون أن النعمة دليل رضا مطلق، بينما هي في الواقع امتحان للضمير والأخلاق قبل أن تكون تفضيلًا. من لم يفهم فلسفة النعمة، أساء استخدامها، ومن أساء استخدامها، جرّ على نفسه زوالها، ولو بعد حين.
الافتراء بالصحة والقوة
هناك من يرزقه الله بالصحة والعافية، فيجعل منها وسيلة للتكبر، والتعدي، وقهر الآخرين. يظن أن جسده القوي حصن لا يُخترق، وأن ضعفه مستحيل. فيبطش، ويظلم، ويستعرض قوته على خلق الله. وينسى أن الصحة من أسرع النعم زوالًا، وأن المرض قد يأتي بلا مقدمات، فيُسقِط الإنسان من عليائه إلى ضعفٍ لا يملك معه إلا الدعاء. وحين يأتي المرض، فهو ليس عقابًا دائمًا، بل قد يكون نعمة خفية، وفرصة للعودة إلى الطريق المستقيم، وتكفيرًا للذنوب، وتذكيرًا قاسيًا بأن القوة لله وحده.
الافتراء بالمال والغنى
وهناك من يرزقه الله مالًا واسعًا، فيحسب أن المال يعطيه قيمة أعلى من غيره، وأن الغنى تصريح بالتعالي على الناس. يستخدم ماله في الإهانة بدل الإعانة، وفي التفاخر بدل العطاء، وفي شراء النفوذ بدل إحقاق الحق. ينسى أن المال وسيلة اختبار لا غاية، وأنه قد يكون سبب الهلاك لو لم يُحسن صاحبه استخدامه. فالمال الذي لا يُشكر عليه، ولا يُزكّى، ولا يُنفق في الخير، يتحول إلى عبء ثقيل، ويزول في لحظة، وعندها تنكشف حقيقة العلاقات، ويكتشف أن كثيرًا ممن حوله كانوا مع المال لا معه.
الافتراء بالعائلة والنفوذ الاجتماعي
وهناك من يرزقه الله بعائلة كبيرة أو اسم له وزن في المجتمع، فيجعل من ذلك سلاحًا للبطش، والاستقواء، وتكميم الأفواه. يظن أن الكثرة قوة مطلقة، وأن الظهر العائلي يمنحه حصانة من الحساب. فيظلم، ويتجاوز، ويستهين بحقوق الآخرين، متكئًا على الاسم والعدد. ولا يدري أن النفوذ الاجتماعي هش، وأن أول اختبار حقيقي هو الشدة، حيث تتفرق الجموع، ويختفي الصوت العالي، ويبقى الإنسان وحيدًا أمام فعله، لا يحميه إلا عدله أو يفضحه ظلمه.
الافتراء بالمنصب والسلطة (أخطر النعم)
وأخطر أنواع الافتراء هو الافتراء بالمنصب. فالمنصب ليس تشريفًا، بل تكليف ثقيل، وأمانة يُسأل عنها الإنسان قبل أن يُكافأ بها. بعض الناس إذا رُفع إلى كرسي مسؤولية، نسي نفسه، وتغيرت لغته، وتبدلت معاملته، فصار يرى الناس درجات، ويقيسهم بمدى قربهم أو نفعهم له.
يستغل منصبه في تعطيل مصالح، وكسر خواطر، وتصفية حسابات، وفرض سطوة وهمية قائمة على الخوف لا الاحترام. يظلم الضعيف لأنه لا يملك وسيلة رد، ويجامل القوي لأنه يخشى بطشه. يخلط القانون بالمزاج، والقرار بالمصلحة الشخصية، ويحسب أن التوقيع أقوى من الحق، وأن السلطة أعلى من العدل.
وينسى أن المنصب عابر، وأن الكرسي لا يدوم لأحد، وأن السقوط من أعلى يكون دائمًا موجعًا. ينسى أن دعوة المظلوم لا تحتاج واسطة، وأن الظلم قد يتأخر حسابه لكنه لا يسقط، وأن التاريخ لا يرحم من أساء استخدام السلطة.
النهاية الحتمية لمن يفترِي بالنعمة
في النهاية، كل من يفترِي بنعمة من نعم الله يعيش وهم السيطرة، لكنه في الحقيقة لا يملك شيئًا. النعمة تُسحب حين يُساء استخدامها، والكبرياء يُكسر حين يكتمل غروره. ونهاية الجاحد واحدة: زوال، ثم انكشاف، ثم ذلّ بعد علو، ووحدة بعد صخب. لا مال ينفع، ولا منصب يشفع، ولا عائلة تحمي.
الخلاصة
النعمة التي لا يُشكر الله عليها، ولا يُحفظ حق الناس فيها، تتحول إلى نقمة.
والسلطة بلا عدل هلاك.
والغنى بلا رحمة فقر أخلاقي.
والقوة بلا تواضع ضعف مؤجل.
﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾
فمن فهمها عاش كريمًا، ومن افترى بها… سقط عبرة لغيره، ولو بعد حين.
الافتراء على نعمة الله قمة الغباء


