كلنا راحلون
بقلم أحمد القطعاني
الحياة ليست ملكًا لنا، وإنما هي أمانة مودَعة في أيدينا، تُسحب منّا في لحظة لا نعلمها.
نحن نعيش في وهم السيطرة، نُشيّد الخطط ونرسم الأحلام،
ثم نكتشف أن كل شيء معلّق بخيط رفيع من القدر، وأن هذا الخيط قد ينقطع في أي لحظة دون إنذار.
إن الروتين الذي نراه تافهًا قد يكون في ميزان الله أعظم من أعمارٍ طويلة،
فقد تكون ابتسامة صادقة، أو كلمة طيبة، أو صلاة خاشعة هي العمل الذي يُنقذنا ساعة الرحيل.
فالحياة ليست في طولها، بل في عمقها، وليست في كثرة ما نملك، بل في صدق ما نقدّم.
الموت ليس بعيدًا كما يتوهم الإنسان، بل هو أقرب إليه من نفسه، يرافقه في كل نبضة قلب، وفي كل شهيق وزفير.
وما بين لحظة الميلاد ولحظة الرحيل، نحن نُختبر في كل ثانية: هل وعينا هشاشتنا؟ هل أدركنا أن الوجود ظلٌّ زائل؟ هل اقتربنا من الله لنستمد منه الثبات في عالمٍ لا ثبات فيه؟
إن الخطر المفاجئ الذي يقتحم حياتنا ليس لعنة، بل هو رسالة:
أن لا شيء مضمون، وأن الإنسان مهما بلغ من قوة وعلم، يبقى ضعيفًا أمام سرّ الغيب.
وهذه الهشاشة ليست مدعاة للخوف، بل هي دعوة للاتصال بالسماء، دعوة لأن نعيش اللحظة بوعي، وأن نُقدّرها كهدية لا تُكرَّر.
فالحياة في فلسفة الحق ليست لعبة نملكها،
بل مسرحٌ نُؤدّي فيه دورًا قصيرًا، ثم نُسلِّم الراية ونرحل.
والسعيد حقًا هو من وعى أن كل مشهد من هذا الدور قد يكون آخر مشهد، فجعله مشهدًا يليق بالعرض أمام الله.
كلنا راحلون


