الرئيسيةمقالاتالذين يعيشون على الهامش
مقالات

الذين يعيشون على الهامش

الذين يعيشون على الهامش

الذين يعيشون على الهامش

بقلم/نشأت البسيوني 

 

في كل مجتمع فئة لا تراها العيون بسهولة ولا تتصدر المشهد ولا تذكر أسماؤها في العناوين لكنها تحمل فوق كتفيها عبء الحياة كاملة هؤلاء هم الذين يعيشون على الهامش لا لأنهم اختاروا الهامش بل لأن الضوء لم يلتفت إليهم يوما رغم أنهم حاضرون في كل التفاصيل يعملون بصمت ويتحملون كثيرا ويمضون دون ضجيج هؤلاء يستيقظون مبكرا قبل أن يبدأ صخب المدينة 

ويمشون في طرق يعرفونها جيدا لأنهم لم يملكوا رفاهية التوهان يعرفون قيمة الوقت لأن التأخير ثمنه باهظ ويعرفون معنى الصبر لأن الخيارات أمامهم محدودة ومع ذلك لا يتوقفون عن المحاولة ولا يتخلون عن الأمل الهامش ليس مكانا جغرافيا بل حالة يعيشها الإنسان حين يبذل أقصى جهده ولا يرى وحين يعطي أكثر مما يأخذ وحين يكون وجوده ضروريا لكنه غير معترف به هؤلاء يبنون 

تفاصيل اليوم العادي الذي نعيشه دون أن نفكر فيه كثيرا هم من يجعلون الحياة تمضي بسلاسة بينما تبقى أسماؤهم بعيدة عن الواجهة الذين يعيشون على الهامش لا يملكون ترف الشكوى ولا رفاهية الانسحاب لأن الغياب بالنسبة لهم ليس خيارا بل خسارة لا تحتمل لذلك يتعلمون التماسك مبكرا ويتقنون إخفاء التعب ويتعاملون مع الخذلان كجزء من المشهد لا كصدمة عابرة

ورغم كل هذا يحملون إنسانية صافية لم تفسدها المنافسة ولا الاستعراض يفرحون بالقليل ويعرفون قيمة التضامن الحقيقي ويفهمون أن الوقوف بجانب الآخر وقت الشدة أهم من أي إنجاز فردي ولهذا السبب تتكون بينهم روابط صادقة لا تصنعها المصالح

المجتمع كثيرا ما ينظر إليهم من بعيد يرى أدوارهم ولا يرى معاناتهم يطلب منهم الصبر ولا يمنحهم التقدير يتحدث عن النجاح 

ولا يسأل عن الطريق الشاق الذي يسلكونه يوميا ومع ذلك لا يحملون غضبا بقدر ما يحملون رغبة بسيطة في أن ينظر إليهم كأشخاص لا كوظائف الهامش يصنع وعيا مختلفا يجعل الإنسان أكثر قربا من الحقيقة وأقل انخداعا بالمظاهر يعلم صاحبه أن القيمة لا تأتي من التصفيق وأن الكرامة لا تحتاج منصة وأن الإنسان يمكن أن يكون عظيما حتى وهو غير مرئي وفي لحظات نادرة يلتفت 

الضوء إلى الهامش فيكتشف الجميع أن ما كان يظن ضعفا هو في الحقيقة قوة صامتة وأن من عاشوا بعيدا عن الضجيج كانوا أكثر فهما للحياة وأكثر قدرة على الاحتمال وأكثر استعدادا للبقاء حين تتساقط الأقنعة وفي نهاية الطريق يبقى الهامش شاهدا على بشر صنعوا التوازن دون أن يشكروا وحملوا الحياة دون أن يحتفى بهم 

ويبقى الأمل أن يأتي يوم لا يحتاج فيه الإنسان أن يكون في 

الواجهة ليكون معترفا به ولا أن يختفي ليحافظ على كرامته وأن نتعلم جميعا أن ننظر جيدا لمن يحملون أعباء الأيام في صمت لأنهم العمود الذي يقف عليه كل شيء

الذين يعيشون على الهامشالذين يعيشون على الهامش

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *