الرئيسيةمقالاتعالم لم يكتب عنه أحد
مقالات

عالم لم يكتب عنه أحد

عالم لم يكتب عنه أحد

عالم لم يكتب عنه أحد

بقلم/نشأت البسيوني 

 

هناك عوالم داخلية لا يعرفها أحد سوى من يغامر بالبحث عن ذاته في الزوايا المظلمة التي يختبئ فيها الزمن نفسه الإنسان يمشي في الشوارع يراقب المارة يسمع أصواتهم يقرأ نظراتهم دون أن يدري أي منهم أن قلبه يراقبهم كل لحظة هو يحاول فهم ما وراء الكلام وراء الابتسامة وراء الصمت هناك قصص تمر بجانبه بلا أن يلمسها قصص مخفية مثل أسرار تختبئ في الجدران في نوافذ المنازل في 

ركن مقهى مهجور الزمان هنا مختلف يمر ببطء أحيانا كأنه يرسم على وجه الأرض خطوطا لا نراها ويقف أحيانا فجأة ليختفي مع نفسه يختلط الماضي بالحاضر يتشابك مع المستقبل في رقصة غريبة لا يفهمها إلا من يجرؤ على الوقوف بلا خوف في مواجهة اللاشيء كل شيء من حوله يتحرك بصمت حتى الرياح تمشي في الشوارع بلا صوت الأشجار تتحدث مع بعضها بأوراقها تتحرك ببطء 

كأنها تحكي حكايات لم تسمعها أذن بشرية والسماء تحمل فوقها ألوان لم نرها من قبل لون شفاف يجمع بين الضوء والظل بين الحقيقة والخيال هناك أفكار تتولد من فراغ كأنها كائنات حية تحاول الهروب من العقل الذي يريد احتوائها الإنسان يحاول أن يمسكها بكلماته لكنه يكتشف أن الكلمة لا تساوي ما تحمله الفكرة أحيانا يضحك على نفسه أحيانا يبكي بلا سبب ويجد أن دموعه 

صدى لأشياء لم تحدث بعد العالم حوله يفتح أبوابه له لكنه يظل وحيدا يراقب البشر من بعيد لا يتدخل لكنه يشعر بكل نبضة شعور غريب بالانتماء والانفصال في الوقت ذاته كل شيء يبدو بسيطا لكنه معقد لا أحد يعرف النهاية لا أحد يعرف البداية والرحلة تستمر بلا توقف بلا اتجاه الإنسان هنا ليس مجرد كائن يسعى للبقاء لكنه كائن يبحث عن معنى في التفاصيل الصغيرة في أصوات الطيور 

في انعكاس الضوء على نافذة مهجورة في رائحة الخبز الطازج في الصباح الباكر في نظرة طفل لا يعرف بعد الحزن في صمت امرأة في مقهى بعيد كل هذه الأشياء تتحدث إليه بدون كلمات تعلمه الصبر تعلمه التأمل تعلمه أن يكون جزءا من شيء أكبر من نفسه شيء لا يمكن فهمه بالكلمات أو بالأفكار شيء يشبه الحياة نفسها الحياة التي تظل مستمرة مهما حاول البشر فهمها أو تفسيرها أو 

السيطرة عليها هناك لحظات يلمس فيها الإنسان ما لم يلمسه أحد قبله يرى انعكاس الشمس على نافذة مهجورة يرى رقصة الظلال على جدران المدينة يسمع نبرة صامتة في صراخ البائعين في السوق يشعر بدقات قلب المارة وكأنها موسيقى خفية تدور في كل مكان يكتشف أن كل شيء من حوله يخبئ أسرارا لا يمكن احتواؤها أو تفسيرها وأن الكون نفسه لوحة ضخمة مليئة بالرموز 

غير المفهومة كل خطوة يخطوها الإنسان تكشف له جزءا جديدا من هذا العالم المجهول فيتعلم أن كل تجربة كل صمت كل دمعة كل ابتسامة تحمل معنى أكبر مما يمكن للعقل البشري إدراكه هو يصبح جزءا من هذه اللوحة يتنفسها يعيشها يتأملها بلا توقف بلا حدود كل شيء حوله يتحرك بلا توقف لكن في داخله كل شيء ساكن ومترابط بطريقة لا يمكن تفسيرها هنا يكتشف الإنسان نفسه ليس 

ككائن منفصل بل كجزء من نص ضخم لم يكتبه أحد ولم يقرأه أحد نص نعيش فيه بلا أن نشعر أننا نكتبه كل يوم وفي كل لحظة نص مستمر بلا بداية بلا نهاية بلا توقف يظل الإنسان يسير في هذه العوالم المجهولة يبحث عن ذاته في تفاصيل صغيرة في صمت آخر في ابتسامة عابرة في رائحة المطر في ضوء القمر على حافة نافذة مهجورة في صدى أصوات المدينة الليلية في أصغر حركة لورقة 

تسقط من شجرة يتعلم أن كل لحظة تحمل تاريخ الكون بأسره وأنه جزء من نص أكبر من أي كتاب أكبر من أي فكرة أكبر من أي لغة البشرية كلها وكل ما يمكن أن نتصوره أو نعيشه هو جزء من هذا النص الضخم الذي يظل مستمرا بلا توقف بلا بداية بلا نهاية وهكذا يمضي الإنسان في هذه الرحلة مستكشفا عالما لم يكتب عنه أحد

عالم لم يكتب عنه أحد

عالم لم يكتب عنه أحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *