جامعة حلوان : قصة تطور التعليم الفني في مصر
كتب : احمد سلامة
برزت الحاجة إلى تعليم فني عالي يُلبي متطلبات التنمية ويُعيد الاعتبار للعمل اليدوي والتطبيقي
في قلب التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مصر في القرن العشرين، لم تكن هذه مجرد فكرة تعليمية، بل كانت رؤية استراتيجية لإعداد جيل جديد من الفنيين والمتخصصين القادرين على النهوض بالصناعة والزراعة والتجارة في وطن يتطلع إلى الاستقلال والنمو. ومن هنا بدأت الحكاية التي انتهت بإنشاء جامعة حلوان، الجامعة التي خرجت من رحم المعاهد الفنية لتصبح نموذجًا جامعيًا فريدًا.
*#البداية: التعليم الفني في مصر*
بدأت مصر منذ أوائل القرن العشرين في تطوير التعليم الفني، لكن الإقبال عليه ظل ضعيفًا بسبب اقتصاره على المرحلة المتوسطة. وفي عام 1943، اقترح وزير المعارف أحمد نجيب الهلالي فتح مسار التعليم العالي الفني، لتأهيل كوادر تخدم النهضة الصناعية بعد الحرب العالمية الثانية.
*#بعد_ثورة_1952: انطلاقة جديدة*
أطلقت الدولة خطة خمسية لإنشاء معاهد صناعية وتجارية وزراعية، أبرزها:
– المعهد العالي للتكنولوجيا بحلوان
– المعهد العالي الفني بشبرا
– معهد التعدين والبترول بالسويس
وفي 1961، تأسست وزارة التعليم العالي للإشراف على هذه المعاهد، مع التركيز على دمج العلوم الإنسانية في المناهج.
*#التحديات والازدواجية*
رغم التوسع، عانت المعاهد من ضعف التجهيزات ونقص الكوادر، مما دفع الوزير عبد العزيز السيد عام 1963 للمطالبة بتطوير البنية التحتية وزيادة البعثات. صدر قانون رقم 49 لسنة 1963 لتنظيم المعاهد ومنحها شهادات جامعية، لكن بقيت الفجوة بينها وبين الجامعات.
*#علاقات_دولية وتحول في الهوية*
بين 1956 و1964، أُوفد آلاف الطلاب للتدريب في دول الكتلة الشرقية. ورغم منح البكالوريوس، أدى ذلك إلى تآكل الطبقة الوسطى الفنية، إذ انضم الخريجون إلى فئة الجامعيين التي تأنف من العمل اليدوي.
في 1965، أوصت لجنة القوى العاملة بإنشاء جامعة للتكنولوجيا، وضم المعاهد إلى كليات نوعية متخصصة، لتخفيف الضغط على الجامعات وتجاوز التمييز المهني.
*#نحو_جامعة_حلوان*
في 1970، قدم وزير التعليم مذكرة لإنشاء جامعة تكنولوجية، وفي 1975، تأسست جامعة حلوان بقرار جمهوري رقم 70، لتكون أول جامعة مصرية قائمة على تخصصات غير تقليدية.
بدأت الدراسة عام 1975/1976 بـ21 كلية موزعة على القاهرة، الإسكندرية، بورسعيد، والسويس. ثم أُنشئت جامعة القناة عام 1976/1977، ونُقلت بعض الكليات إليها، ليصبح عدد كليات جامعة حلوان 16، ثم 14 بعد انتقال كليات الإسكندرية عام 1990.
*#الحرم_الجامعي*
تم تخصيص أرض بمساحة 470 فدانًا في عين حلوان، تقلصت لاحقًا إلى 330 فدانًا. بدأ التنفيذ عام 1985، وشمل إنشاء كليات، مساكن، مكتبة مركزية، مركز ثقافي، ملاعب، مستشفى، ومدرجات متنوعة تتسع من 150 إلى 1000 طالب، وتدار مركزيًا عبر وحدة “شئون المقر”.
*#شعار_الجامعة*
صُمم شعار الجامعة ليعكس المستقبل، حيث احتضن حرف الألف رمز الذرة، دلالة على العلم، من تصميم د. محمد سيد سليمان، ليكون تعبيرًا وظيفيًا وجماليًا عن هوية الجامعة.
*#جامعة_بطابع_خاص*
جامعة حلوان ليست تقليدية ولا مستحدثة بالكامل، بل تمثل نمطًا جديدًا في التعليم الجامعي المصري، حيث جمعت بين المعاهد الفنية القديمة والمعاهد التكنولوجية الحديثة. ورغم التحديات، أثبتت الجامعة أنها ضرورة وطنية لإعداد طبقة وسطى فنية تساهم في بناء مستقبل مصر، وتُعيد الاعتبار للتعليم التطبيقي كركيزة من ركائز التنمية.
من مدرسة الفنون الجميلة ١٩٠٨ ومدرسة الهندسة التطبيقية إلى جامعة حلوان، كانت الرحلة طويلة ومليئة بالتحديات، لكنها حملت في طياتها حلمًا وطنيًا حقيقيًا: أن يكون تعليم الفنون جزءًا أصيلًا من منظومة التعليم الجامعي، وأن يُمنح العمل اليدوي والتطبيقي مكانته المستحقة. واليوم، تقف جامعة حلوان شاهدًا حيًا على قدرة مصر على تحويل الرؤية إلى واقع، وعلى أن الحكاية التي بدأت منذ عقود لا تزال تُكتب فصولها في كل خريج يساهم في بناء الوطن.
جامعة حلوان : قصة تطور التعليم الفني في مصر


