الأكلون على كل الموائد والراقصون على كل المسارح: حين تفضح صناديق الاقتراع “أقنعة” المتلونين
بقلم: ابراهيم زايد
انقشع غبار الانتخابات، وهدأت أصوات الهتافات، وظهرت النتائج النهائية فوق شاشات العرض؛ لكن المشهد الأكثر إثارة لم يكن في أرقام الأصوات، بل في تلك الوجوه التي تحولت ملامحها في أقل من أربع وعشرين ساعة. إنهم “بهلوانات السياسة” الذين يتقنون فن الوقوف في المنطقة الرمادية، أولئك الذين وصفهم الشارع بـ “الأكلين على كل الموائد، والراقصين على كل المسارح”.
مهارة “تغيير الجسد” السياسي
خلال فترة الدعاية الانتخابية، شاهدناهم في سرادقات المرشح (أ) يتحدثون عن النزاهة والمبادئ، ثم رأيناهم في مساء نفس اليوم في ضيافة المرشح (ب) يوزعون الوعود بالولاء المطلق. هؤلاء لا يملكون انتماءً لعقيدة أو فكر، بل انتماؤهم الوحيد هو لـ “البوفيه المفتوح” للسلطة والمصلحة.
لقد فضحت الانتخابات الأخيرة هذا الصنف من البشر؛ فبعد أن كانت الوجوه تتخفى خلف شعارات “المصلحة العامة”، جاءت لحظة الحقيقة لتكشف أن “المصلحة الخاصة” هي المحرك الوحيد.
مشهد السقوط: احتفالات “الفائز أيًا كان”
المثير للدهشة، بل وللسخرية، هو ما حدث فور إعلان النتائج. ففي الوقت الذي كان فيه أنصار المرشح الخاسر يلملمون أوراقهم، كان “المتلونون” أول من وصلوا إلى مقر المرشح الفائز، يحملون باقات الزهور ويذرفون دموع الفرح المصطنعة، وكأنهم كانوا جنود الخفاء في حملته!
المفارقة المضحكة أنك قد تجد أحدهم في “سيلفي” النصر مع الفائز، بينما لا تزال “منشوراته” على فيسبوك التي تهاجم نفس الشخص قبل يومين لم تُحذف بعد. إنهم لا يشعرون بالخجل، لأن “الجلد” الذي يرتدونه سميك بما يكفي لامتصاص كل أنواع الحرج.
لماذا يرقصون على كل المسارح؟
هؤلاء “الراقصون” يعتمدون استراتيجية ذكية -من وجهة نظرهم- تتلخص في:
توزيع الرهانات: لا يضعون بيضهم كله في سلة واحدة.
القدرة الفائقة على التبرير: لديهم دائمًا حجة جاهزة لتحول مواقفهم (كنا نناور.. كنا نختبر الطرف الآخر.. مصلحة الوطن تقتضي الآن الاصطفاف).
التواجد في الصورة: المهم بالنسبة لهم ليس “من” يحكم، بل أن يكونوا هم “بجانب” من يحكم.
نهاية اللعبة.. هل تنطلي الحيلة؟
قد ينجح هؤلاء في حجز مقعد على مائدة احتفال، أو الحصول على مصافحة عابرة في ليلة فوز، لكنهم في الحقيقة يخسرون أثمن ما يملكه الإنسان: المصداقية. فالمرشح الفائز، وإن قبل تهنئتهم، يعلم جيداً أن من خان العهد مع خصمه بالأمس، سيخونه هو غداً عند أول بادرة انكسار.
إن الانتخابات ليست مجرد وسيلة لاختيار ممثلين، بل هي “مصفاة” أخلاقية تفرز المخلصين من المتمصلحين. ويبقى “الأكلون على كل الموائد” مجرد عابرين في تاريخ المواقف، لا تذكرهم الشعوب إلا كأمثلة حية على ضياع المبدأ.
ختاماً، إن المسرح الذي يرقصون عليه اليوم قد ينهار غداً، والموائد التي يأكلون عليها قد تنضب، وحينها لن يجدوا وجهاً واحداً يقابلون به الناس، لأنهم ببساطة استهلكوا كل وجوههم في “حفلة تنكرية” لم تدم طويلاً.
الأكلون على كل الموائد والراقصون على كل المسارح: حين تفضح صناديق الاقتراع “أقنعة” المتلونين


