تحت ضغط الهيمنة: خرائط ترامب المرفوضة
كتب/ضاحى عمار
في قلب ثلاث ساحات ملتهبة، تتحرك خطط الرئيس الأمريكى دونالد ترامب باعتبارها مقاربات جاهزة تُفرض بالقوة الناعمة والخشنة معًا، من دون اعتبار للسيادة الوطنية أو الإرادة الشعبية أو قواعد القانون الدولى. من غزة إلى أوكرانيا وصولًا إلى فنزويلا، يتكرر المشهد نفسه: مصالح اقتصادية أمريكية فى الصدارة، وضغوط سياسية وأمنية فى الخلفية، وشعوب تُدفع ثمنًا لتسويات لا تصنعها ولا تختارها.
من غزة، تبدأ الصورة الأوضح. فبعد حرب مدمرة تركت القطاع ركامًا، تُطرح خطة أمريكية لما بعد الحرب تحت لافتة الإدارة الانتقالية وإعادة الإعمار، بينما جوهرها الحقيقى، كما يراه خبراء، هو فرض وصاية سياسية وأمنية تتجاوز الفلسطينيين أنفسهم. الخطة تتحدث عن مجلس دولى وإدارة مؤقتة، لكن القيادة الفعلية أمريكية، والقرار النهائى بيد واشنطن، فى تجاهل صريح للسيادة الفلسطينية وحق الشعب فى إدارة أرضه ومستقبله.
ويرى اللواء شبل عبد الجواد، رئيس الشرطة العسكرية سابقًا ورئيس هيئة مكافحة الإرهاب بالمنطقة العربية، أن ما يُطرح لغزة «ليس حلًا أمنيًا ولا سياسيًا، بل ترتيب مريح لقوة الاحتلال»، مؤكدًا أن أى صيغة تبقى الاحتلال متحكمًا فى الأمن وتُجرد الفلسطينيين من قرارهم الوطنى تمثل تهديدًا مباشرًا للاستقرار طويل الأمد. ويضيف أن ربط الإعمار بترتيبات أمنية مفروضة يفتح الباب لموجات عنف جديدة بدلًا من إغلاقه.
وعلى خط موازٍ، تتحرك خطة ترامب الخاصة بأوكرانيا، لكن بروح الصفقة نفسها. فوقف الحرب، وفق الطرح الأمريكى، يأتى مقابل تنازلات إقليمية وتجميد طموحات كييف الاستراتيجية، مع تحميل أوروبا عبء التمويل، ومنح واشنطن نصيبًا من عوائد الإعمار. هنا، تُختزل حرب معقدة وتضحيات شعب كامل فى معادلة أرقام ومكاسب، بينما يُفرض الحياد وتُعاد رسم الحدود من فوق رأس الدولة الأوكرانية.
ويشير المهندس على عبدة، رئيس مجلس التعاون العربى للتنمية، إلى أن «العقلية الاقتصادية هى المحرك الأساسى لخطط ترامب»، موضحًا أن الولايات المتحدة تتعامل مع مناطق النزاع باعتبارها فرص استثمارية مؤجلة. ويؤكد أن تحويل الإعمار إلى أداة نفوذ يفرغ أى عملية سلام من مضمونها، ويجعل الاستقرار هشًا وقابلًا للانفجار فى أى لحظة.
أما فى فنزويلا، فتظهر النسخة الأكثر صراحة من السياسة الأمريكية. ضغط اقتصادى وعقوبات قصوى بهدف خنق الدولة وإجبارها على إعادة فتح قطاع النفط أمام الشركات الأمريكية، أو دفع النظام إلى السقوط. الخطة لا تتخفى خلف شعارات ديمقراطية بقدر ما تعلن هدفها: استعادة الهيمنة على أكبر احتياطى نفطى فى العالم، ومنع تدفقه نحو الصين.
وتعتبر كاراكاس هذه السياسة تدخلًا سافرًا فى شؤونها الداخلية، بينما يحذر خبراء من أن استمرار العقوبات يعمق الأزمة الإنسانية ويضرب الطبقات الفقيرة، من دون أن يحقق تغييرًا سياسيًا حقيقيًا. ويؤكد اللواء شبل عبد الجواد أن زعزعة الدول من الخارج «تخلق فراغات أمنية خطيرة»، غالبًا ما تتحول إلى بؤر صراع ممتدة تتجاوز حدود الدولة المستهدفة.
وبين الساحات الثلاث، يتشكل نمط واحد: تغليب المصالح الأمريكية على القانون الدولى، وتهميش المؤسسات الشرعية، واستخدام الاقتصاد كسلاح ضغط رئيسى. هذا النمط، بحسب مراقبين، لا يهدد فقط الدول المعنية، بل يضع النظام الدولى نفسه أمام اختبار قاسٍ، ويُضعف ما تبقى من الثقة فى شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان التى طالما رفعتها واشنطن.
في المحصلة، تكشف خطط ترامب عن سياسة خارجية لا ترى فى الأزمات سوى أدوات نفوذ، ولا فى الشعوب سوى أوراق تفاوض. سياسة قد تحقق مكاسب قصيرة المدى، لكنها تزرع بذور عدم استقرار طويل، وتؤكد أن تجاهل العدالة والسيادة لا يصنع سلامًا، بل يؤجل الانفجار فقط.
تحت ضغط الهيمنة: خرائط ترامب المرفوضة


