الدكروري يكتب عن الخيانة والفساد
الدكروري يكتب عن الخيانة والفساد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد سجل لنا التاريخ نماذج رائعة من أهل الصلاح كيف أنهم كانوا يحاسبون أنفسهم عن كل شبهة حرام لاسيما أنهم علموا أن المال من أعظم الفتن لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث كعب بن عِياضٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال” فتورعوا من الوقوع به، لهذا بقي أثرهم يستمتع به الصالحون من بعدهم، وقيل أنه جاء عثمان بن عفان بعبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى النبي، وكان النبي صلي الله عليه وسلم قد أهدر دمه، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال “يا رسول الله، بايِع عبد الله” فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال ” أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ ”
فقالوا ” ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك” فقال صلي الله عليه وسلم ” إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ” فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يرضي أن يتخذ الخيانة وسيلة حتى في حق كافر محارب لله ورسوله، فما مدى جرم أولئك الذين لا تكون خيانتهم إلا في مسلمين؟ وكيف بالذين لا تكون خيانتهم إلا في حق مؤمنين موحدين، لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة؟ وإن الخيانة موجوده في كل زمان ومكان، والخيانة موجودة في كل الأمم في وقت السلم، وتشتد في الحرب، ولم يسلم منهم زمان دون زمان ولا مكان دون مكان، بل لم يسلم منهم أفضل زمان بوجود أفضل رجل ورجال، زمن النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فكيف بمن بعده؟
وعقيدتنا هي لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعدم تحقيق لا إله إلا الله في النفس وفي الغير وأنت مسلم خيانة لله، وتعطيل فرائض الله أو تعدي حدوده أو انتهاك محارمه وأنت مسلم خيانة لله، وأن يكون المسلم مطية لأعداء الله، في تنفيذ مخططاتهم وما فيها من دمار للبلاد والعباد أو دليلا لهم على عوراتها خيانة ، والخيانة هنا هي خيانة الدين لا الفاحشة، قال ابن كثير”إن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء” وقال ابن عباس رضي الله عنهما “كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء.
وهكذا فإن صلة الزوجية لم تنفع ولو كانت مع نبي، وإذا كانت الخيانة خلق ذميم وصفة سيئة فعلى المسلمين أن يتحلوا بالأمانة وأن يتخلوا ويقتلعوا من قلوبهم جذور الخيانة، فتربى القلوب على مخافة الله وخشيته، فقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يتفقد رعيته ليلا وإذا به يسمع امرأة تقول لإبنتها، اخلطي الماء باللبن، فقالت البنت لقد نهانا عمر عن ذلك، فقالت أمها وما يدري عمر؟ قالت البنت إن كان عمر غائبا فإن ربه حاضر فتقع هذه الكلمة في قلبه، فيجمع ولده ويعزم على أحدهم أن يتزوج هذه الفتاة، فيتزوجها ولده عاصم، فيكون من ولده عمر بن عبد العزيز الذي ملأ الدنيا عدلا، ومن الخيانة في الأعراض النظرة الحرام، حيث قال تعالى ” يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور”
والمسلم الحق يحرص على الحلال في مطعمه ومشربه، فلا غش ولا خداع ولا كذب، فجاء في الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر على صُبرة طعام، أي كومة، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال ” ما هذا يا صاحب الطعام؟” قال “أصابته السماء يا رسول الله، قال صلي الله عليه وسلم “أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني ” رواه مسلم.