الدكروري يكتب عن خروج الرسول من الشعب
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعب، وجعل يعمل على شاكلته، وقريش وإن كانوا قد تركوا القطيعة، لكنهم لم يزالوا عاملين على شاكلتهم من الضغط على المسلمين والصد عن سبيل الله، وأما أبو طالب فهو لم يزل يحوط ابن أخيه، لكنه كان قد جاوز الثمانين من سنه، وكانت الآلام والحوادث الضخمة المتوالية منذ سنوات،لاسيما حصار الشعب، قد وهنت وضعفت مفاصله وكسرت صلبه، فلم يمض على خروجه من الشعب إلا أشهر معدودات، وإذا هو يلاحقه المرض ويلح به، وحينئذ خاف المشركون سوء سمعتهم في العرب إن أتوا بعد وفاته بمنكر على ابن أخيه، فحاولوا مرة أخرى أن يفاوضوا النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه، ويعطوا بعض ما لم يرضوا إعطاءه قبل ذلك.
فقاموا بوفادة هي آخر وفادتهم إلى أبي طالب، وقال ابن إسحاق وغيره لما اشتكى أبو طالب، وبلغ قريشا ثقله، قالت قريش بعضها لبعض إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب، فليأخذ على ابن أخيه، وليعطه منا، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا، وفي لفظ فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون إليه شيء فتعيرنا به العرب، يقولون تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه، ومشوا إلى أبي طالب فكلموه، وهم أشراف قومه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب، في رجال من أشرافهم، وهم خمسة وعشرون تقريبا، فقالوا يا أبا طالب، إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى، وتخوفنا عليك، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك.
فادعه فخذ له منا، وخذ لنا منه، ليكف عنا ونكف عنه، وليدعنا وديننا وندعه ودينه، فبعث أبو طالب، فجاءه فقال يابن أخي، هؤلاء أشراف قومك، قد اجتمعوا لك ليعطوك، وليأخذوا منك، ثم أخبره بالذي قالوا له وعرضوا عليه من عدم تعرض كل فريق للآخر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم “أرأيتم إن أعطيتكم كلمة تكلمتم بها، ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم” وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال مخاطبا لأبي طالب “إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب، وتؤدى إليهم بها العجم الجزية” وفي لفظ آخر قال “أي عم، أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم؟ قال وإلام تدعوهم؟ قال “أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب، ويملكون بها العجم” ولفظ رواية ابن إسحاق.
“كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم” فلما قال هذه المقالة توقفوا وتحيروا ولم يعرفوا كيف يرفضون هذه الكلمة الواحدة النافعة إلى هذه الغاية والحد، ثم قال أبو جهل ما هي؟ وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها، قال صلى الله عليه وسلم “تقولون “لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه” فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن أمرك لعجب، ثم قال بعضهم لبعض إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم، حتى يحكم الله بينكم وبينه، ثم تفرقوا، وهكذا فإن التخطيط الإسلامي هو التفكير والتدبر بشكل فردي وجماعي في أداء عمل مستقبلي مشروع، مع ربط ذلك بمشيئة الله تعالى، ثم بذل الأسباب المشروعة في تحقيقه،
مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدره على النتائج، وأيضا إن التخطيط الإسلامي هوإعمال الفكر في رسم أهداف مشروعة، مع تحديد الوسائل المتاحة وفق الموارد المتاحة شرعا، وبذل الطاقات في استثمارها لتحقيق الأهداف في أقل وقت ممكن، مع تعليق النتائج بقضاء الله وقدره، وقيل أيضا إنه الاستخدام الأمثل للموارد والإمكانيات والظروف في تنمية الفرد المسلم في كل جوانبه مما يجعله قادرا على أداء دوره في عمارة الأرض، وهو عبادة الله تعالى.