الدكروري يكتب عن لا تزن عند الله جناح بعوضة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لو علم كثير من المسلمين حقيقة الحياة الدنيا، بالنسبة لما أعد الله للكافرين والمسلمين في الآخرة لما ساوت الحياة في نظرهم شيئا يذكر، ولكن عظمت الدنيا في قلوب كثير منهم، وهانت الآخرة في نفوسهم، ومما ورد في ذم الدنيا ما روي عن سهل بن سعد قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، فإذا هو بشاة ميتة شائلة برجلها، فقال “أترون هذه هينة على صاحبها فو الذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها، ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها قطرة أبدا” وكان يصفها بعض العلماء بقوله جمة المصائب، رتقة المشارب، لا تفي لصاحب، وقال يحيي بن معاذ، الدنيا خمر الشيطان من شربها لم يفق إلا بين عساكر الموتى، نادما بين الخاسرين.
قد ترك منها بغير ما جمع، وتعلق بحبل غرورها فانقطع، وقدم على من يحاسبه على الفتيل، والقطمير، والنقير، فيما انقرض عليه من الصغير والكبير، يوم تزل بالعصاة الأقدام، ويندم المسيء على ما قدم، وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” فكانت تلك القطيعة التي احدثتها النفس الوثنية الخانقة سببا في ذيوع الاسلام، وامر دعوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فقد رأى العرب مقاطعة قريش لذؤابتها من بني هاشم وهم يجيئون الى مكة المكرمة حاجين ومعتمرين ومتجرين يغشون الاسواق، ويجدون سادة العرب ممنوعين من غشيانها.
والدعوة قائمة على قدم وساق فلابد ان يسألوا لما كان هذا وان يتعرفوا دعوة الحق، وما ينادي به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فتصل الى اسماعهم فمنهم من يؤمن ومنهم من يستمر في ضلاله ولذلك كانت هذه المقاطعة سببا في تسامع العرب بالاسلام ودعوته وان تصل الدعوة المحمدية الى القبائل في اماكنهم، فمن اهتدى فقد اهتدى لنفسه، ودعا غيره بالهداية، ومن لم يؤمن تحدث مع غيره بما كفر به، فتكون الدعوة قد علم بها من ارتضاها، ومن لم يرتضها، لقد حملها جميعهم، ورب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه، ولقد سخطت القبائل العربية على قريش في حصارها القاسي ثلاث سنوات على بني هاشم وبني عبدالمطلب، مما أثار تعاطف هذه القبائل مع بني هاشم وبني عبدالمطلب.
ودخلت كثير من القبائل الاسلام بعد هذا الحصار، وإن السيرة النبوية العطرة هي المثال الحي للتطبيق العملى للمثل والأخلاق والمبادئ والأحكام الإسلامية، بل هي المنهج الإسلامي الكامل بكل مكوناته في واقع الحياة وهي بهذا وبكل ما اشتملت عليه من أحداث وتوجيهات نور ساطع في سجل التاريخ البشري يقتبس منه من أراد في أي جيل دروسا تهدي الحيارى وترشد التائهين لأحسن السبل وأقومها، وإنها منهج ينبغي أن نتربى عليه ونربي أبناءنا على ما يشمله من مفاهيم وقيم نرى أن الناس في هذا الزمان أشد ما يكونون حاجة إليها، وها هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في عامها السابع تتعاظم يوما بعد يوم، ويعلو شأنها، ويتعالى شأوها، وانتقل المسلمون من حياة الكتمان والاستخفاء إلى مرحلة الجهر بالتوحيد والاستعلاء.
الدكروري يكتب عن لا تزن عند الله جناح بعوضة