مجلس الحيرة بين التأسيس والإبداع
مجلس الحيرة بين التأسيس والإبداع
د. نبيل أحمد صافية
مجلس الحيرة بين التأسيس والإبداع
ممّا لا شك فيه أنّ الثّقافة في الإمارات وخصوصاً في الشّارقة تعدّ أكثر تطوّراً ممّا عليه الحال مقارنةً بالدّول العربيّة ، لما تحتويه من نوادٍ ومنشآتٍ وصروحٍ ثقافيّة ، وقد سبق لي أن تحدّثت عن بيت الشّعر وتكريمه في أكثر من مقال ، كونه أفضل مكان شعريّ عربيّ استراتيجيّ ، وهو أحد الأركان الثّقافيّة الأساسيّة في الوطن العربيّ عموماً ، وسأخصّ حديث اليوم للتّعريف بمجلس الحيرة الأدبيّ ، وهو الجناح الثّاني للشّعر العربيّ في الشّارقة خصوصاً والعربيّ عموماً كونه يختصّ بالشّعر النّبطيّ أو الشّعبيّ ، وسنشهد قريباً مهرجان الشّعر النّبطيّ في الشّارقة ، ولذلك آثرت الحديث عن مجلس الحيرة قبل انطلاقة المهرجان الخاص بذلك النّوع من الشّعر العربيّ في مطلع شهر فبراير القادم من العام الحالي ، وقد اخترت الحديث عن المجلس في هذا الوقت أيضاً ليكون امتداداً احتفاليّاً للذّكرى التي قام سموّ الشّيخ الدّكتور سلطان بن محمّد القاسميّ ، عضو المجلس الأعلى للاتّحاد في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة حاكم الشّارقة _ حفظه الله ورعاه _ بافتتاح المجلس في الحادي والعشرين من شهر كانون الثّاني ( يناير ) لعام ألفين وتسعة عشر ، وجاء اختيار تلك المنطقة من سموّه الكريم _ أي الحيرة _ لما لها من بُعد تاريخيّ أدبيّ في ذلك النّمط من الشّعر العربيّ الشّعبيّ ، حيث تمّ توجيه كلمة مميّزة من صاحب السّمو الشّيخ الدّكتور سلطان ليبرز أثر الشّعر العربيّ منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث ، والأسباب التي أدّت لاختيار منطقة الحيرة لتكون منبراً للشّعر العربيّ متمثّلةً بالشّعر النّبطيّ الشّعبيّ ، وما يحمله من قيم ثقافية وأدبيّة وفنّيّة ومعرفية حضاريّة ، ليرتقي المجلس بالشّعر النّبطيّ .
ومن المعلوم أنّ الشّعر الشّعبيّ النّبطيّ يمتاز بإيقاعاته الغنائيّة وقدرته على ربط الماضي بالحاضر ، كونه صوّر المواقف التّاريخيّة التي واجهتها دول الخليج العربيّ وشبه الجزيرة العربيّة في العصر الحديث أيضاً ، وهذا ما يمثّل عنصراً حيويّاً لإغناء الشّعر العربيّ عموماً والإماراتيّ خصوصاً ، وله أوزانه وتفعيلاته ، وعدد بحوره ثلاثة عشر بحراً ، وتاريخ الشّعر النّبطيّ قديم فبعض المؤرّخين جعله من شعر أهل نجد في القرن الثّامن الهجري أو التّاسع في قصيدة لأمّ عرار بن شهوان في رثاء ابنها الذي توفي عام ثمانمئة وخمسين للهجرة ، ولعلّ من الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى أنّ أشهر الشّعراء الذين نظموا قصائدهم في الشّعر النّبطيّ هو الشّاعر الماجدي بن ظاهر الذي كانت حياته في رأس الخيمة في القرن الميلادي السّابع عشر ، والشّاعر مانع سعيد العتيبة الذي ولد في عام ألف وتسعمئة وستةٍ وأربعين ، ومنهم الشّعراء : أحمد النّاصر الشّايع ، وخلف بن هذال العتيبي وسموّ الأمير خالد الفيصل وخالد العتيبي وعقاب بن مصقال السّهليّ وعبد الرّحمان المرخان وغيرهم كثير ممّا لا يسمح المقام لذكرهم جميعاً .
وتتعدّد أغراض الشّعر النّبطيّ كما الشّعر العربيّ بموضوعاته وأغراضه ، ولعلّ أبرزها غرض الفخر لإبراز الشّجاعة والفروسية ، وكذلك المديح والهجاء والحكمة والوصف والغزل وغيرها من أغراض شعريّة تبرز القيم العربيّة الأصيلة والأخلاق الكريمة التي دعا الإسلام إليها ، ويتميّز أيضاً بالشّعر الملحميّ الذي تميّز به سموّ الشّيخ محمّد بن راشد آل مكتوم عضو المجلس الأعلى للاتّحاد في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة حاكم دبي _ حفظه الله ورعاه _ ، ومن ذلك الشّعر قول الشّاعر المرحوم _ بإذن الله _ عبد الله بن شايق :
الأجواد واجد والمراجل لها كساب لكن واعد العشرة ليا صرت جمالي
يطير الشّرار و كلّ نار لها شباب ومن ولع النّيران يصبر على الصّالي
ومن الشّعر النّبطيّ أيضاً قول الشّاعر رشيد الزّلامي :
الموت لك هيبة تهزّ السّلاطين ولك حزّة ماتدري النّاس عنها
لك ضربة تقطع أحبال الشّرايين ولك طعنة ماغيرك إلّي طعنها
ويسرّني أن أختار بعضاً من أبياتٍ نُظِمَت في الذّكرى الحادية والخمسين للاتّحاد في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة ، ضمن الفعاليات الاحتفالية لمجلس الحيرة الأدبيّ بتلك المناسبة المميّزة ، ضمن مشاركة عدد من الشّعراء المتألّقين المبدعين ، وقال فيها الشّاعر خميس بن بليشة الكتبي :
ارفلي بثوب المعزّه يا بلادي باسمك الشّعب الإماراتي تغنّى
عاشت بلادي وعاش الاتّحادي في ذرى حكامنا شامخ وطنّا
القلوب تكاتفت قبل الأيادي في زمان الأولين و في زمنّا
وتُقدَّم في المجلس ملتقياتٌ شعريّة شهريّةٌ على مستوى الدّول من الوطن العربيّ أو دول الخليج العربيّ مجتمعة لتمثّل وحدة متكاملة ، كما تُقّدَمُ فيه أمسياتٌ أسبوعيّة لشعراءَ وشاعراتٍ من الإمارات ، ويرعى المجلس طباعةَ الدّواوين الشّعريّة المتميّزة بجودة الشّعر النّبطيّ فيها منذ تأسيسه وإلى الآن ليظهر حالةً إبداعيّةً لشعراءَ متميّزين .
وحريٌ بنا ونحن نتحدّث عن مجلس الحيرة الأدبيّ أن نشير بلمحة لمديره الشّاعر الإعلاميّ المتألّق بطي مظلوم ، وهو قامة أدبيّة متميّزة يسعى دوماً لتفعيل الحركة الثّقافيّة الشّعريّة في الشّعر النّبطيّ ، كما أنّه
عمل في الثّمانينيّات من القرن الماضي رئيساً لمجلس الإمارات الشّمالية في الشّعر الشّعبيّ ، وقدّم برامج تُعنى بذلك الشّأن في مجموعة من القنوات ، كما عمل في وزارة الإعلام وقدّم برامجَ متميّزة في قنوات مختلفة من القنوات الرّسميّة الإماراتيّة ، وهو يسعى دوماً لتنفيذ توجيهات صاحب السّمو الشّيخ الدّكتور سلطان بن محمّد القاسميّ ، عضو المجلس الأعلى للاتّحاد ، حاكم الشّارقة _ حفظه الله ورعاه _ للارتقاء بالمستوى الشّعريّ الشّعبيّ نحو آفاق إنسانيّة واسعة وتطويره نحو تحقيق الأهداف المنشودة التي يرعاها صاحب السّمو الشّيخ الدّكتور سلطان لتبقى الشّارقة زاهية بالثّقافة الإنسانيّة الأصيلة ، وأدعو الله وأسأله الخير للشّارقة خصوصاً والإمارات عموماً لتحقيق ما تصبو له من ازدهار وتطوّر ونماء في ظلّ أصحاب السّموّ السّادة الشّيوخ الكرام _ حفظهم الله ورعاهم _ وأمدّ بعمرهم لخير الإمارات الحبيبة .
بقلم : الباحث التّربويّ والإعلاميّ
، وعضو الجمعيّة السّوريّة للعلوم النّفسيّة والتّربويّة
د. نبيل أحمد صافية