رؤية الإستخبارات الأمريكية للتخطيط الإسرائيلى للإنضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية
رؤية الإستخبارات الأمريكية للتخطيط الإسرائيلى للإنضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية
تحليل للدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
رؤية وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية للتخطيط الإسرائيلى للإنضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتأثيراته على الأمن القومى الأمريكى
بعد إعلان الصين رسمياً عن مبادرتها للحزام والطريق، عمل الجانب الإسرائيلى منذ البداية على أن يكون جزءاً جوهرياً وأصيلاً منها. وهذا ما أعلنه صراحةً الدبلوماسى الإسرائيلى “هاجاى شاجرير”، بصفته مدير إدارة شمال شرق آسيا بوزارة الخارجية الإسرائيلية، بتأكيده على:
“أن مبادرة الحزام والطريق الصينية تجلب المزيد من فرص الأعمال للشركات الإسرائيلية فى مجال مشروعات البنية الأساسية، كما أن إسرائيل تعتبر نفسها جزءً من طريق الحرير البحرى للقرن الـ ٢١، والذى يشق طريقه من بحر الصين الجنوبى إلى البحر المتوسط”
وفى مقابلة أخرى مع “هاجاى شاجرير”، مدير مكتب آسيا والمحيط الهادئ بوزارة الخارجية الإسرائيلية، أكد إحتمالية إنضمام إسرائيل لمبادرة الحزام والطريق الصينية من خلال تأكيده، بأن: “مبادرة الحزام والطريق رؤية طويلة المدى ومبادرة إيجابية”.
وبالنظر لخطورة موقع “هاجاى شاجرير”، بصفته مدير مكتب آسيا والمحيط الهادئ بوزارة الخارجية الإسرائيلية وكهمزة وصل بين الصين وتل أبيب، فتكمن خطورته فى إعداده جيداً من قبل تل أبيب للتعامل مع الصين منذ أن كان شاباً صغيراً، ففى عام ١٩٩١، سافر “هاجاى شاجرير” إلى الصين، وذلك حين كان مجرد طالب صغير فى السن، حيث سافر “شاجرير” إلى الصين بإعتباره سائحاً متجولاً. وشغل “هاجاى شاجرير” منصبه الحالى كمدير مسؤول عن مكتب منطقة آسيا والمحيط الهادئ منذ سبتمبر ٢٠١٦. وقبل ذلك، عمل “شاجرير” فى قنصليتين إسرائيليتين فى الصين، هما: القنصلية الإسرائيلية فى مدينة “قوانغتشو”، كعاصمة لمقاطعة قوانغدونغ فى جنوب الصين، والقنصلية الإسرائيلية فى مدينة “تشنغدو” عاصمة مقاطعة سيتشوان فى جنوب غرب الصين. ونجد بأنه فى الوقت الحالى، يجرى “شاجرير” عدة زيارات عمل إلى الصين، تتراوح بين ثلاث أو أربع مرات سنوياً.
وتمثل الشواطئ الإسرائيلية إبتداءً من غزة وحتى حيفا، واحدة من المحطات الرئيسية لطريق الحزام والطريق القديم قبل إحتلال إسرائيل للدولة الفلسطينية، وهو ما كان قديماً منذ أكثر من ألف عام، ويبدو أن موقع الموانئ الإسرائيلية بالنسبة للصينيين باتت جوهرياً، كمحطة أساسية على خط البحر المتوسط، لربط المحيط الهندى بالبحر الأبيض المتوسط، وذلك عبر خليج العقبة وقناة السويس، من خلال المشروع الإسرائيلى العملاق للبنية التحتية، والمعروف بإسم (سكة حديد السلام، أو سكة حديد ميناء إيلات-أشدود).
وقد بادرت سلطات الإحتلال الإسرائيلى بالتوقيع مبكراً على الشراكة فى بنك البنية التحتية الآسيوية الذى أسسته الصين كجزء ومدخل جوهرى من مبادرة الحزام والطريق الصينية.
كما تمكن خطورة التخطيط الإسرائيلى لأن تكون جزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية للإستفادة من المشاريع والإستثمارات الصينية، عبر إستكمال (مشروع خط للسكة الحديد من الخليج عبر السعودية مروراً بالأردن حتى فلسطين).
وفكرة هذا المشروع بالنسبة للصين، تقوم على: بناء خط سكك حديدية يمتد من (الشواطئ الفلسطينية إبتداءً من غزة وحتى حيفا كمحطة صينية مهمة لطريق الحرير)، ورغم أن السلطة الفعلية هى لإسرائيل على هذه المنطقة ذات الإمتداد الهام للحزام والطريق الصينية، وهى سلطة إحتلال، إلا أن الصين لا تتوقف عند تلك النقطة كثيراً، فالمهم هو (مدى رغبة إسرائيل كسلطة متحكمة بهذه المنطقة الحساسة والشديدة الأهمية بالنسبة للصين على شائط البحر المتوسط بالتعاطى مع مبادرة الحزام والطريق الصينية).
وتسعى (إسرائيل لإستثمار إتفاقيات التطبيع الأخيرة مع الأنظمة العربية، والعلاقات غير المعلنة مع بعض الأنظمة الأخرى، من خلال مشاريع تخدم الإندماج الإسرائيلى فى المبادرة الصينية)، وأبرزها:
(مشروع خط للسكة الحديد يمكن أن يمتد من الخليج عبر السعودية مروراً بالأردن)، وطالما تحدث الطرفان الصينى والإسرائيلى عن خططهما المشتركة لإنشاء هذا الخط للسكك الحديدية، وصولاً عبر (الأراضى الفلسطينية المحتلة إلى حيفا على البحر الأبيض المتوسط، وهو إن حدث فسيكون أقصى ما تطمح إليه إسرائيل، إذ فضلاً عن جنيها لأرباح طائلة نتيجة لهذا الخط المختصر والفعال بالنسبة لها)، فإنه سيكرس الجانب الإسرائيلى كجزء طبيعى ضمن المنظومة الدولية فى المنطقة، وهو (ما يضر بالأمن القومى المصرى والعربى وبمنظومة القوى الفاعلة فى منطقة الشرق الأوسط).
ومما يظهر أن لدى الجانب الإسرائيلى الرغبة فى المشاركة فى مشاريع المبادرة الصينية، هو التوقيع الإسرائيلى على الشراكة فى (بنك البنية التحتية الآسيوية)، بالإضافة لأن المشاريع المشتركة بين الجانبين والمتنامية فى مجال الإقتصاد والتسليح تتكامل مع مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وبسبب تلك المعارضة الأمريكية الصارمة للتعاون الصينى مع إسرائيل، توالت الإعتراضات الإسرائيلية فى مواجهة التدخل الأمريكى فى شؤونها للتعاون مع بكين. فكانت واحدة من أبرز العبارات لرئيس جهاز الإستخبارات الإسرائيلية السابقة (الموساد) “يوسى كوهين” فى ٧ يونيو ٢٠٢٠، والذى تنحى فى يونيو ٢٠٢٠ عن منصبه ، هى عبارته قائلاً:
“لا أفهم ماذا يريد الأمريكيون من الصين. إذا فهم أحدهم ذلك، فعليه أن يشرحه لى… فالصين لا تعارضنا وليست عدونا”
وفى هذا السياق، تنظر واشنطن بقلق على أثر التعاون الإسرائيلى مع الصين على أمنها القومى، وإزدادت مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية على أثر التنويه الإسرائيلى بإحتمالية إنضمامها لمبادرة الحزام والطريق الصينية رسمياً بعد إنضمام تل أبيب للبنك الآسيوى للإستثمار فى البنية التحتية، وهنا جاء تعامل واشنطن بقلق شديد مع بناء الصين الميناء الجديد لإسرائيل فى مدينة حيفا، مع رؤية وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، بأن الوجود الدائم للصين فى الميناء الإسرائيلى، يعنى أن هناك فرصة ذهبية لجمع تل أبيب للمعلومات الإستخباراتية، مثل: تسهيل مراقبة الصين لتحركات السفن الأمريكية، كما يسهل ذلك على الصينيين وضع أنظمة مراقبة إلكترونية تعرض الأمن السيبرانى الأمريكى للخطر.
وقد أعادت زيارة “وليام بيرنز”، مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية (سى آى إيه) إلى إسرائيل فى أغسطس ٢٠٢١، إلى الواجهة مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من تعاون إقتصادى وتكنولوجى متنامى بين تل أبيب وبكين، ترى واشنطن أنه “يمس بأمنها القومى”. والأبرز هنا، أنه بعد زيارة “وليام بيرنز” مدير وكالة المخابرات الأمريكية لإسرائيل مباشرةً، قامت إسرائيل ونتيجة للضغط الأمريكى عليها، بإستبدال “مجموعة شنغهاى الدولية للموانئ”، والتى كان يفترض إدارتها لمحطة حاويات جديدة فى ميناء حيفا، بشركة إماراتية معروفة، هى “شركة موانئ دبى العالمية”.
وهنا تعتبر واشنطن أمنها القومى فى خطر حين يتعلق الأمر بأى نوع من الشراكة بين حليفتها الرئيسية فى الشرق الأوسط “إسرائيل” والصين. كما جاء تحفظ واشنطن شديداً عند تبرع الملياردير الصينى المعروف “لى كاشينغ” بمبلغ ١٣٠ مليون دولار لمعهد أبحاث “تخنيون” الإسرائيلى.
ونلاحظ هنا، بأن جميع الشركات الصينية التى تستثمر أو تبنى مشاريع بنية تحتية كبرى فى إسرائيل لها علاقات مع الحكومة الإسرائيلية أو الكيانات العسكرية أو القوات المسلحة. ومن المحتمل أن يكون لأى شركة إسرائيلية كبيرة الحجم فى جمهورية الصين الشعبية روابط غير رسمية أو رسمية بالحكومة الصينية، ومن المتوقع أن يكون هناك تعاون مع أجهزتها الإستخباراتية والأمنية. وبالطبع فإن واشنطن لن تقبل بنقل التكنولوجيا المتعلقة بالدفاع الأمريكى المتواجدة فى إسرائيل إلى بكين، ولدى السلطات الأمريكية مخاوف من أن الصين قد تحصل على تقنيات أو تجمع معلومات إستخباراتية لتهديد الأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية فى المجال السيبرانى، والإتصالات عبر الأقمار الصناعية، والذكاء الإصطناعى والروبوتات.
كما تنظر إسرائيل إلى المبادرة الصينية كمصدر لجنى الأرباح، فى ظل توافر بنى تحتية حديثة لديها، التى لا تحتاج إلى زمن طويل حتى يتم دمجها أو تطويرها لتكاملها مع مشاريع المبادرة المقترحة خلافاً للبلدان الآسيوية الأخرى التى تسعى للإنضمام إلى طريق الحرير الصينى، ولعل من أهم المشاريع التى يرمي الطرفان الصينى والإسرائيلى إلى تنفيذها فى هذا السياق، هو: إستخدام وتطوير الطريق من (ميناء إيلات على البحر الأحمر براً إلى موانئ أسدود وعسقلان وحيفا).
وتتقاطع المصالح الصينية والإسرائيلية فعلياً فى عدة أقاليم حول العالم، والتى تعد حيوية بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، منها القارة الأفريقية والشرق الأوسط وآسيا الوسطى ومنطقة القوقاز، حيث تسعى كل من بكين وتل أبيب إلى الإستثمار فى تلك المناطق وبيع أسلحة متطورة لها، كما تمثل العلاقات المتميزة بين إسرائيل وكوريا الجنوبية واليابان – وهم خصوم لبكين – مصدر تنافس فى الوقت ذاته بين الصين وتل أبيب.
وبدأت بوادر القلق الأمريكى من إحتمالات (عسكرة المشروع الصينى للحزام والطريق من خلال تلك أبيب)، حيث بدأت واشنطن فى التفكير بعمق لكبح جماح الجانب الإسرائيلى بكل ما ينطوى عليه هذا التوجه من ضرورات التفكير العميق، لكيفية التعاطى مع هذا الإحتمال الذى بدأت بوادره بإقامة الصين لقاعدة عسكرية فى دولة جيبوتى فى منطقة القرن الأفريقى. كما أن هنالك تقريراً لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” تم تقديمه للكونجرس الأمريكى، قد رجح هذا الإحتمال. ويشير إلى إحتمال بناء قواعد أو تسهيلات عسكرية للصين فى دولة باكستان وفى الدول التى لها تجارب سابقة فى إستضافة قواعد عسكرية أجنبية، وتحديداً فى منطقة الشرق الأوسط.
ونفس هذا التوجه قد حدث فى ٨ ديسمبر ٢٠٢١، من تحذير وكالة المخابرات الأمريكية من أن بكين تعتزم إقامة قاعدة عسكرية دائمة على ساحل غينيا الإستوائية، مما يمنحها قدرة بحرية فى المحيط الأطلنطى فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
وتتخوف واشنطن من أن التواجد الصينى فى مدينة حيفا ومنحها تسهيلات هناك من قبل تل أبيب، قد يكون بؤرة صينية لجمع المعلومات عن الأسطول الأمريكى السادس المتواجد فى تلك المنطقة، وهو أمر تراه واشنطن فى غاية الخطورة.
وعلى الجانب الآخر، فهناك العديد من النقاط المثيرة للجدل بين إسرائيل مع الصين، أبرزها موقف إسرائيل من ملف مسلمى الإيغور فى إقليم “شينغيانغ” الصينى، وهذا ما أكده (موقع ولاه الإسرائيلى)، بتسريبه عن أن “نيوج جين شاو، وهو أحد الدبلوماسيين الصينيين الكبار سلم السفير الإسرائيلى رسالة حادة يقول فيها علاقة إسرائيل بالصين قد وصلت إلى مرحلة حرجة”
كذلك الإعتراض الصينى الصارم على علاقات إسرائيل بتايوان، وهو ما ظهر جلياً فى إرسال الحكومة الصينية عبر رئيس قسم الشؤون الدولية فى الحزب الشيوعى الصينى “ليو جيان تشاو” فى أغسطس ٢٠٢٢، برسالة شديدة اللهجة إلى السفيرة الإسرائيلية فى بكين “إيريت بن آبا” لتحذيرها من السماح للضغوط الأمريكية بالإضرار بعلاقة إسرائيل مع بكين، مع التأكيد الصينى بأنها لا يمكنها أبداً التسامح مع أى دولة تدعم تايوان.
وهنا سنجد توتر العلاقات بين الصين وإسرائيل على أثر الإعتراض الصينى على المقابلة الصحفية لموقع “جيروزاليم بوست” الإسرائيلى مع وزير الخارجية التايوانى “جوزيف وو” فى أكتوبر ٢٠٢٢، فأرسلت السفارة الصينية فى تل أبيب لتحذير شديد اللهجة وقتها للصحفى “يعقوب كاتس”، رئيس تحرير صحيفة “جيروزاليم بوست” وطالبته فوراً بحذف المقابلة من الموقع الإسرائيلى، كما أجرى دبلوماسيين صينيين لعدة إتصالات بالصحفى الإسرائيلى “يعقوب كاتس” إعتراضاً على المقابلة مع وزير دولة، ألا وهى تايوان، لا تعترف بها معظم دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وتراها الصين جزءاً لا يتجزأ من ترابها الوطنى. لذا جاء التهديد الدبلوماسى الصينى بقطع العلاقات فوراً مع الصحيفة الإسرائيلية، مع التهديد الصينى بخفض مستوى العلاقات مع إسرائيل فى حال لم تحذف المقابلة مع وزير الخارجية التايوانى منعاً لإستفزاز الصين. وهذا التهديد القوى من قبل السلطات الصينية، أثبت أن بكين متأهبة لمهاجمة إسرائيل، إذا ما تعارضت مواقف الدولة العبرية مع السياسات الصينية.
كما يجب علينا فهم الموقف الصينى والإسرائيلى المتعارض من الإتفاق النووى الإيرانى، والموقف الإسرائيلى من إتفاقية الـ ٢٥ عاماً للشراكة الإستراتيجة بين الصين وإيران، مع رؤية الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الإسرائيلية لها بمنظار مغاير عن بكين، بما يسلط الضوء على مصالح كل طرف وتحالفاته، حيث ترى واشنطن وتل أبيب بأن إتفاقية الـ ٢٥ عاماً بين الصين وإيران، تحمل رسالة ضمنية للجانب الأمريكى حول تكريس التنافس على النفوذ العالمى وسعى الصين من خلالها للإنتقال من دولة التجارة إلى دولة السيادة. فالطرفين الأمريكى والإسرائيلى ينظران لإيران من خلال تلك الإتفاقية المبرمة بينها وبين الصين لمدة ٢٥ عاماً، بأنها قد تصبح قاعدة متقدمة للصين فى نفس مناطق نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى أوروبا والغرب. وفى إطار العلاقات الصينية مع الدولة العبرية، يمكننا فهم الموقف الصينى من خلال رسالة مندوب الصين فى الأمم المتحدة، وتأكيده، بأنه: “يجب على الولايات المتحدة الأمريكية الإستجابة لمطالب إيران بدلاً من تضخيم المشاكل بينهم”. وطبعاً فهذا الموقف يؤثر على العلاقة بين الصين وسلطة الإحتلال الإسرائيلى، والذى يبحث دوماً عن أى سند دولى كى يقف معه ضد إيران فى إتفاقه النووى معها.
وكما نعلم، فإن الصين تركز على تطوير الموانئ الإيرانية، وتحديداً (ميناء شهبار المطل على بحر العرب). ومن المحتمل والحال كذلك، بأن تعتمد الصين على النفط الإيرانى على حساب وارداتها من الدول الأخرى المنتجة والمصدرة للبترول.
وتجدر الإشارة هنا، بإجراء الرئيس الإسرائيلى “يتسحاق هرتسوج” لإتصال هاتفى بنظيره الصينى “شى جين بينغ” عام ٢٠٢١ في أول مكالمة هاتفية بينهما، مبدياً قلقه لبكين من تداعيات إمتلاك إيران برنامجاً نووياً، داعياً عدد من الخبراء بتل أبيب إلى إقناع بكين بالضغط على طهران لوقف برنامجها ونشاطها النووى.
وعلى الجانب السورى، إنتقدت بكين أى تصعيد عسكرى إسرائيلى فى سوريا، خشية إستهداف مصالحها هناك، مع تواجد العديد من الخبراء والآلاف من العمالة الصينية بمنشآت عسكرية سورية لإعادة إعمارها، وقدمت بكين مساعدات عدة لدمشق بغية تحسين البنى التحتية للإتصالات، ما يثير المخاوف لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من إحتمالية إستخدامها بعمليات تجسس ضد تل أبيب والمصالح الأمريكية هناك، كما تخشى تل أبيب فى الوقت ذاته من تحسين القدرات الإقتصادية والعسكرية السورية بواسطة الصين، وهو ما يمثل تهديداً طويل الأمد لها، هذا فضلاً عن مخاوف إسرائيلية وأمريكية فى الوقت ذاته من شراء سوريا لمنظومات دفاعية صينية متطورة، ستعمل حتماً على رفع كفاءة قوات الدفاع الجوى السورى لصد أى إعتداءات إسرائيلية مستقبلاً على الأراضى السورية وهضبة الجولان السورية المحتلة إسرائيلياً.
وقد حذر رئيس الموساد الأسبق “دانى ياتوم” من أى خطأ إسرائيلى لضرب عمال صينيين فى سورياء مما سيؤدى فى النهاية لحدوث أزمة وتوتر فى العلاقات بين بكين وتل أبيب، كما تتخوف الأخيرة من طبيعة الإستثمارات والمشاريع التجارية الصينية بسوريا، والتى ربما ستكون “غطاء لمشاريع عسكرية إستخباراتية ستمثل قيوداً على التعامل الإسرائيلى مع الملف السورى، ولا سيما وأن بكين ساعدت دمشق للحصول على برنامج للصواريخ الباليستية، وبرنامج للأسلحة الكيمياوية على الأراضى السورية مما يضر بأمن تل أبيب والأمن القومى الأمريكى لصالح نظام بشار الأسد فى سوريا، وهو ما يثير حفيظة ومخاوف الأمريكان والإسرائيليين بشأن طبيعة التعاون الإستخباراتى العسكرى بين سوريا والصين”.
وهنا أطلق عدد من القادة العسكریین والأمنیین الإسرائيليين ويشاركهم فى هذا التوجه عدد من المسؤولين العسكريين الأمريكيين لعدة تصریحات، یتحفظون فيها على الإندفاع الإسرائيلى خلف “الدولة الصينية العملاقة التى تقیم تحالفات مع أعداء إسرائیل، وذلك فى إشارة لعدد من الدول العربية العدو لإسرائيل كسوريا وجماعة حزب الله، وإيران.
وهنا نفهم مدى الرغبة الإسرائيلية أيضاً فى تطوير علاقاتهم مع الصين لكبح وتقييد المبيعات العسكرية، وخاصةً الصواريخ، من الصين لدول عربية معينة خاصةً سوريا ولبنان وربما اليمن، حيث يعتقد الإسرائيليون بأن بعضاً من هذه الصواريخ الصينية، سوف صل إلى جماعة حزب الله اللبنانى فى جنوب لبنان، مما يمثل تهديداً للأمن القومى الإسرائيلى على الحدود مع لبنان.
ويمكننا هنا بشكل مختصر فهم خريطة العلاقة بين الصين وإسرائيل وتأثيرها على بعضهما البعض وعلى أمن واشنطن والصين وتل أبيب ذاتها مع تعارض مصالح كل طرف منهم تجاه الطرف الآخر، من خلال الرفض الصينى القاطع لمواقف اليمين الإسرائيلى المتشدد والمتطرف بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” تجاه إيران والقضية الفلسطينية، فضلاً عن مواقف حكومة نتنياهو المتشددة فى الوقت الحالى تجاه سياسة المستوطنات وحقوق الفلسطينيين، والتى تصر على مواصلة سياسة الإستيطان والتهويد وحسم مصير الأراضى الفلسطينية المحتلة عبر سياسة الأمر الواقع. كما أن الصينيين ينظرون أيضاً بغضب إلى مواقف الإسرائيليين السلبية من إستمرار العلاقات التجارية والعسكرية مع تايوان، وزيارة شخصيات حزبية أو أكاديمية إسرائيلية لها، وإستقبال إسرائيل للدلاى لاما زعيم الطائفة البوذية من مقاطعة التبت الصينية، والهارب خارج البلاد.
وهنا تكمن خطورة إنضمام إسرائيل لمبادرة الحزام والطريق الصينية فى المستقبل المنظور، وهو ما يعد كذلك السبب المباشر لتصعيد لهجة الإحتجاجات الأمريكية، وذلك على خلفية إستثمار الصين فى منظومة السكك الحديدية الخفيفة فى تل أبيب، والذى يتوقع أن يبدأ العمل به فى (محيط هيئة الأركان العامة الإسرائيلية فى وسط تل أبيب وقرب القاعدة البحرية الإسرائيلية فى أشدود) مما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومى الأمريكى من جهة إسرائيل، لذا تعارض واشنطن أى محاولات إسرائيلية فعلية للإنضمام لعضوية مبادرة الحزام والطريق الصينية، لضمان عدم نفاذ الصين من خلالها للقرب من الأماكن العسكرية والأمنية والحيوية الحساسة لإسرائيل على حساب منظومة الأمن القومى الأمريكى فى الدولة العبرية ومنطقة الشرق الأوسط ككل.
وأخيراً، ويبقى التحليل الجديد فى هذا السياق، هو تأثير التعاون الإسرائيلى الصينى فى إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية على النفوذ الأمريكى فى منطقتى المحيط الهندى وآسيا الوسطى والمحيط الهادئ، أو ما يعرف بإسم منطقة “الإندو-باسيفيك” بالمفهوم الأمريكى أو آسيا-المحيط الهادئ بالمفهوم االصينى ولذلك، فإن نقل إسرائيل غير القانونى (وفقاً لإتهامات الأمريكيون)، للتكنولوجيات المتقدمة إلى الصين، قد سبب ضرراً كبيراً للتكنولوجيات اليابانية الحليفة لأمريكا فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، كما تسببت بأضرار للأمريكيين أنفسهم، وفق تقديرات قيادة منطقة المحيط الهادئ فى الجيش الأمريكى هناك بالقرب من مناطق نفوذ الصين.
رؤية الإستخبارات الأمريكية للتخطيط الإسرائيلى للإنضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية