الدكروري يكتب عن طريف بن مالك وابن زياد
الدكروري يكتب عن طريف بن مالك وابن زياد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الدكروري يكتب عن طريف بن مالك وابن زياد
لقد كان فتح الأندلس على يد طارق بن زياد، حيث أنه تحرك بجيشه المكون من سبعة آلاف مقاتل، واتجه إلى الأندلس في شهر رمضان عام اثنين وتسعين من الهجرة، وذلك بعد نجاح سرية طريف بن مالك، وبعد أن أذن له موسى بن نصير بدخولها، وكانت مدينة قرطاجنة أول مدينة فتحها طارق، وعندما علم لذريق ملك القوط بدخول المسلمين للأندلس جهز جيشه وخرج للقائهم، وفي هذا الوقت أرسل طارق لموسى بن نصير، لكي يرسل له الدعم، فأرسل له خمسة آلاف مقاتل، والتقى الجيشان في معركة وقعت في الجزيرة الخضراء، حقق فيها المسلمون نصرا كبيرا، ثم بدأ طارق بن زياد بفتح المدن الأندلسية واحدة تلو الأخرى، وفتح طيلطلة عاصمة القوط في ذلك الوقت في سنة ثلاث وتسعون من الهجرة.
وشاركه في فتح المدن موسى بن نصير، وكان هذا الفتح العظيم للأندلس في شهر رمضان المبارك، ويُشار إلى أن فتح الأندلس من أعظم الفتوحات في التاريخ الإسلامي، وتكاد تكون أهميته في المرتبة الثانية بعد الفتح الإسلامي لمصر بلد الكنانة، وأقبلت في الوقت نفسه جيوش لذريق حتى عسكرت غربي طريف، بالقرب من بحيرة خندة، على طول نهير برباط الذي يصب في البحر الذي سماه المسلمون وادي لكة، وبالمقابل، أخذ طارق في الاستعداد للمعركة الحاسمة، فاختار موقعا مناسبا في وادي لكة، يستند في أجنحته على موانع طبيعية تحميه، ونظم قواته، وقيل أنه اصدر اوامره بإحراق السفن ولكن ذلك محل خلاف لدى المؤرخين وقام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حث المسلمين على الجهاد.
ورغبهم فيه، واستثار حماستهم، ووقف طارق بن زياد في الخطبة الشهيرة له فقال ” أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمرا ذهبت ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية ويقصد لذريق، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن، إن سمحتم لأنفسكم بالموت وإني لم أحذركم أمرا أنا عنه بنجوة.
ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا، استمتعتم بالأرفة الألذ طويلا، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي” ثم قال “وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عُربانا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا، وأختانا، ثقة منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنما خالصة لكم من دونه، ومن دون المؤمنين سواكم، والله ولى أنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين، واعلموا أنني أول مُجيب لما دعوتكم إليه، وأني عند مُلتقى الجمعين حامل نفسي على طاغية القوم لذريق، فقاتله، إن شاء الله.
فاحملوا معي، فإن هلكت بعده، فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطلب عاقد تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه ، فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهم من الاستيلاء على هذه الجزيرة بقتله، فإنهم بعده يُخذلون ” وظهرت إنسانية طارق بن زياد من خلال رضاه بأن يكون دائما في المرتبة الثانية بعد موسى بن نصير، كما ظهرت إنسانيته في كثير من المواقف خلال فتحه للأندلس، فقد كان وفيا، ولم يخن عهده مطلقا، وكان له فضل كبير على اليهود في الأندلس ، حيث إن ملك القوط أصدر قرارات تنص على تنصير كل من يصل عمره إلى سبع سنوات، من أبناء اليهود، ومصادرة أملاكهم، فكان قيام طارق بفتح الأندلس سبيلا لإنقاذهم، كما أنه كان صادقا في العهود التي أعطاها لبعض المدن.
وترجّح المصادر التاريخية أن وفاة طارق بن زياد كانت في عام مائة واثنين من الهجرة، ويُذكر أن أخباره انقطعت بعد عودته إلى الشام مع موسى بن النصير، واختلفت أقوال المؤرخين التاريخين حول وفاته، ولكن ما تم تأويله هو عدم وجود أي عمل له بعد تواجده في الشام، وبالتالي كانت نهاية طارق بن زياد، ذلك القائد العظيم الذي تمكن بعزيمته وإصراره وقوته أن يصل إلى مكانة عظيمة الشأن، وتمكن بحنكته من تحقيق واحد من أعظم الانتصارات في التاريخ الإسلامي.