الميراث بين الواجب والواقع
بقلم/ مها صابر
متابعة / محمد العكروت
الميراث : هو كل مال أو شئ مملوك تركه المتوفي لمن لهم حق الارث فيه .. وهو الارث المتبقي من بعد سداد الدين أو الوفاء بالوصية أن وجدا .. وقد يظن البعض أن اشكالية الارث والخلافات التي تحدث بسببه أنه خاص بظلم المرأة المسلمة فقط … فالرجل أيضا يظلم .. لأن في عادات الكثير خاصة في الريف والصعيد وفي الحياة القبلية تحكمها عادات وتقاليد موروثة مقحفة للنساء خاصة .. وللرجال ايضا .. حيث يتولي الأخ الأكبر مسؤولية تقسيم الإرث ..
وهنا تدخل الاطماع والجور والظلم بحق الاخوة .. وقد تحدث مهازل بسبب تدخل زوجة الكبير في الأمر وخلافات زوجات الاخوة وعلاقات اأفراد الأسرة السلبية .. مما يجد الكبير أن الظلم مبرر بحق اخوته .. ويخيل له الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء أن المال هو حق له .. وفي صعيد مصر مآسي مخجله بحق النساء والرجال في ميراثهم الشرعي ..
وكم من أرحام قطعت، وصلات مُزقت، وجرائم ارتكبت بين أشقاء حملتهم رحم واحدة! إنه الميراث.. ما بين أب يميز بعض أبنائه، وآخر يحرم أحدهم وثالث يمنع الإناث من الميراث .. أو أخ ساقه الطمع وحب الذات للاستحواذ علي حق أخواته، أو بنات أخيه المتوفي، وإجبارهن علي الرضا بـ «موات» الممتلكات أو البيع بأبخس الأثمان! وآلاف القضايا تكتظ بها ساحات المحاكم للنظر في مواريث مغتصبة وتقسيم تركة مضي علي وفاة صاحبها سنوات وسنوات.
عوامل عدة وراء ما يحدث من ظلم بالمواريث علي رأسها: الجهل والطمع والحياء، جهل بفقه المواريث ومقصدها التشريعي، وطمع بعض الورثة في أنصبة غيرهم، وحياء أصحاب الحقوق ـ لاسيما الإناث ـ من المطالبة بحقوقهم، فتمر السنون دون تقسيم للتركة، ولا ينتفع بها إلا من وضع يده عليها، ويبقي الآخرون «ورثة مع إيقاف التنفيذ»!.
ويرجع الحرمان والتضييق علي المرأة في الميراث إلي التمييز والعصبية للنسب والعائلة، الذي يترتب عليه عدم قبول انتقال ممتلكات العائلة إلي عائلة أخري، وهذه من عادات الجاهلية البغيضة، مشيرا إلي أن الظلم في المواريث يترتب عليه مشكلات كبيرة قد تصل إلي حد التشاجر والتقاتل، وما ينتج عن ذلك من قطيعة بين الأرحام، وتوارث العداء بين بني العمومة والخؤولة.
الظلم والحرمان في المواريث بأنه جاهلية جهلاء، فالمواريث قسمها الله من فوق سبع سماوات، لا دخل فيها لأحد من البشر، لذا نجد أي مسألة فقهية فيها آراء متنوعة، نقول الإمام الشافعي قال فيها كذا، وأبو حنيفة قال كذا وابن حنبل قال كذا.. وهكذا، أما في الميراث فالقول واحد لا خلاف عليه، ولا يحتاج إلي اجتهاد..
مخالفات الميراث
ـ الذين يكتبون كل ممتلكاتهم لأولادهم الذكور ويحرمون الإناث، بل هناك بعض قري الصعيد لا يورثون النساء بالمرة. وكذلك من يحرم أحد أبنائه من الميراث بسبب عقوق من الابن أو خروجه عن طاعة أبيه أو زواجه علي غير رغبة أبيه، فهذا لا يجوز، لأن العقوق، وإن كان من الكبائر، إلا أنه ليس مبررا للحرمان من الميراث، فالعقوق لا يمنع الحقوق.
ـ ظلم الورثة بعضهم لبعض، بطمع الكبار في حق الصغار، وطمع الرجال في حق النساء، والاستحواذ علي ميراث الغير والانتفاع به وحرمان صاحب الحق الأصلي من ذلك، كأن يستحوذ الابن الذي تحت يده الأرض أو الشقة أو التجارة، علي أنصبة غيره حياء أو إجبارا سنوات وسنوات، دون إعطائهم مقابل هذا الانتفاع.
ـ الإجحاف في القسمة، بأن يتم إعطاء نصيب البنت الجزء المهمل أو القليل القيمة من التركة، كأن تأخذ ما يسمي بالأرض الميتة أو الدور الأخير من المسكن، أو إشراكها في أرض أو مسكن بشكل لا يمكنها من الانتفاع بهذا الميراث، فتضطر صاغرة إلي البيع بأبخس الأثمان ويضيق عليها أشقاؤها حتي لا تتمكن من البيع إلا لهم، وبالسعر الذي يحددونه هم، وربما أخذت الثمن علي دفعات متناثرة!
وتظل قضايا الميراث واحدة من أخطر القضايا التي مزقت وتمزق علاقات الأخوة والأرحام وتدع الي القطيعة والكراهية بين الاشقاء وأولادهم .. فيتحول الأخ الي عدو .. وابناء العمومة إلي خصوم بعضهم البعض .. وتكثر المشكلات والشائعات بحق بعضهم .. وستظل فتنة المال أخطر الفتن والتي مزقت العلاقات وقطعت الارحام ولن تتوقف ما دامت النفوس تخالف شرع الله وأمره.
الميراث بين الواجب والواقع