بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن قراءات القرآن الكريم، وكان من قراء أهل البصرة عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وأبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، وكان أقدم الثلاثة ابن أبي إسحاق، وكانت قراءته مأخوذة عن يحي بن يعمر ونصر بن عاصم، وكان عيسى بن عمر عالما بالنحو غير أنه كان له اختيار في القراءة على مذاهب العربية يفارق قراءة العامة ويستنكرها الناس، وكان الغالب عليه حب النصب ما وجد إليه سبيلا، منه قوله “وامرأته حمالة الحطب” وقول الله تعالي ” والزانية والزاني” وقول الله تعالي ” والسارق والسارقة” وقوله الله تعالي ” هؤلاء بناتي هن أطهر لكم” والذي صار إليه أهل البصرة فاتخذوه إماما أبو عمرو بن العلاء، فهؤلاء قراء أهل البصرة، وقد كان لهم رابع.
وهو عاصم الجحدري، لم يُرو عنه في الكثرة ما رُوي عن هؤلاء الثلاثة، وكان من قراء أهل الشام عبد الله بن عامر اليحصبي، ويحي بن الحارث الذماري، وثالث قد سُمي لي بالشام ونسيتُ اسمه، فكان أقدم هؤلاء الثلاثة عبد الله بن عامر، وهو إمام أهل دمشق في دهره وإليه صارت قراءتهم، ثم اتبعه يحي بن الحارث الذماري، وخلفه في القراءة وقام مقامه، قال وقد ذكروا لي الثالث بصفة لا أحفظها، فهؤلاء قراء الأمصار الذين كانوا بعد التابعين، ثم إن القراء بعد هؤلاء كثروا وتفرقوا في البلاد وانتشروا، وخلفهم أمم بعد أمم، عرفت طبقاتهم واختلفت صفاتهم، فمنهم المحكم للتلاوة والمعروف بالرواية والدراية، ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بسبب ذلك بينهم الاختلاف، وقلّ الضبط واتسع الخرق.
والتبس الباطل بالحق، فميز جهابذة العلماء ذلك بتصانيفهم، وحرروه وضبطوه في تواليفهم، ثم قال والقراءة التي عليها الناس بالمدينة، وبمكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقيا، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين اجتمعت الخاصة والعامة على قراءته، وسلكوا فيها طريقه، وتمسكوا بمذاهبه، على ما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وزيد بن ثابت ثم محمد بن المنكدر، وعروة بن الزبير وعامر الشعبي رضي الله عنهم أجمعين، وقال أبو شامة يعني أنهم قالوا إن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرؤوا كما علمتموه، وقال علم الدين السخاوي هذا الذي ذكره أبو عبيد رحمه الله يعرفك كيف كان هذا الشأن من أول الإسلام إلى آخر ما ذكره.
فلما كان العصر الرابع سنة ثلاثمائة وما قاربها كان أبو بكر بن مجاهد قد انتهت إليه الرئاسة في علم القراءة، وتقدم في ذلك على أهل ذلك العصر، اختار من القراءات ما وافق خط المصحف، ومن القراء بها ما اشتهرت عدالته، وفاقت معرفته وتقدم أهل زمانه في الدين والأمانة، والمعرفة والصيانة، واختاره أهل عصره في هذا الشأن وأطبقوا على قراءته، وقصد من سائر الأقطار وطالت ممارسته للقراءة والإقراء، وخص في ذلك بطول البقاء، ورأى أن يكونوا سبعة تأنسا بهذه المصاحف الأئمة، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم “إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف من سبعة أبواب” فاختار هؤلاء القراء السبعة أئمة الأمصار، فكان أبو بكر رحمه الله أول من اقتصر على هؤلاء السبعة، وصنف كتابه في قراءتهم، واتبعه الناس على ذلك، ولم يسبقه أحد إلى تصنيف قراءة هؤلاء السبعة.
الدكروري يكتب عن قراء أهل البصرة