بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر الإسلامية التاريخية الكثير والكثير عن الإمام العز إبن عبد السلام، وأما عن الرسالة القشيرية التي يُقال أن العز بن عبد السلام كان يقرأها، وذهب فريق من المعاصرين إلى نفي التصوف عن العز، وأن التصوف يتنافى مع عقلية العز الفكرية والاجتهادية القائمة على إعمال العقل في النصوص، وتتعارض مع سيرة العز في الحياة ومواقفه وفتاويه وكتبه ومصنفاته، وتوسط آخرون إلى الاعتراف بتصوف العز على طريقته الخاصة، وطريقة السلف التي تجمع بين العلم والعمل، وقد أنكر العز ما يصدر عن بعض المتصوفة من الرقص والسماع فقال وأما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث، لا يفعلها إلى راعن أو متصنع كذاب، وكيف يتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه.
وذهب قلبه، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم” ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يُقتدى بهم يفعل شيئا من ذلك، وإنما استحوذ الشيطان على قوم يظنون أن طربهم عند السماع إنما هو متعلق بالله عز وجل، ولقد مانوا فيما قالوا، وكذبوا فيما ادعوا، ومن هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور من رقص ولا تصفيق، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل، ولما سُئل العز عن الإنشاد والتواجد، والرقص والسماع أجاب الرقص بدعة، لا يتعاطاه إلا ناقص العقل، ولا يصلح إلا للنساء، وأما سماع الإنشاد المحرك للأحوال السنية بما يتعلق بالآخرة فلا بأس به، بل يندب إليه عند الفتور وسآمة القلوب، لأن الوسائل إلى المندوب مندوبة.
والسعادة كلها في اتباع الرسول صلي الله عليه وسلم، واقتفاء أصحابه الذين شهد لهم بأنهم خير القرون، ولا يحضر السماع من في قلبه هوى خبيث، فإن السماع يحرك ما في القلوب من هوى مكروه أو محبوب، والسماع يختلف باختلاف السامعين والمسموع منهم، وهم أقسام، ويقول محمد الزحيلي والخلاصة أننا نرى أن العز كان صوفيا حسب قواعد الشرع، ومن الناحية الفكرية والقلبية والروحية، وبحسب المعنى العام الوارد في الشرع عن هذا الجانب التربوي في الإسلام، وأنه ملتزم بكل ما جاء في القرآن والسنة، من التربية الروحية والقلبية والتهذيب النفسي، ولم يكن متصوفا بالمعنى الاصطلاحي والعرفي، ولم ينتسب إلى طريقة يلتزم بطقوسها ومصطلحاتها وقواعدها.
ولم يدخل في المتاهات الغامضة التي تحتمل الظاهر والباطن، والصحيح والفاسد، وتلقى العز بن عبد السلام العلم على جلة علماء دمشق وبغداد والقاهرة، وقد ذكر ابن السبكي أهم شيوخ العز وأشهرهم وبين اختصاصهم، فقال تفقه على الشيخ فخر الدين بن عساكر، وقرأ الأصول على الشيخ سيف الدين الآمدي وغيره، وسمع الحديث من الحافظ أبي محمد القاسم بن الحافظ الكبير أبي القاسم بن عساكر، وشيخ الشيوخ عبد اللطيف بن إسماعيل بن أبي سعد البغدادي، وعمر بن محمد بن طبرزد، وحنبل بن عبد اللطيف الرصافي، والقاضي عبد الصمد بن محمد الحرستاني، وغيرهم، وحضر على بركات بن إبراهيم الخشوعي.
الدكروري يكتب عن العز والرسالة القشيرية