فاطمة عبد العزيز محمد
___________
البعض لا يستحق الصداقة..
إن امتلاك عائلة داعمة ومحبة هو شيء جيد للغاية، ولكن يحتاج الإنسان أيضاً إلى وجود صداقة حقيقية في حياته ليكون سعيداً، بعض الناس ليس لديهم عائلات، ولكن لديهم أصدقاء بمثابة عائلات لهم، وبالتالي فإن وجود أصدقاء حقيقيين يعتبر شيء لا يقدر بثمن لكل إنسان.
ولهذا فقد تحدث الإسلام في الكتاب والسنة عن مسألة الصداقة فيما يحتاج إليه الإنسان إلى هذه العلاقة، باعتبار أن الصداقة تمثل الإنسان في الصديق الذي يساعد الإنسان ويعاونه ويكون موضع سره وأمانته وأنسه، لأن الإنسان لا يطيق الوحدة بل يحب أن يعيش مع الآخر لأنه اجتماعي بالطبع، وهي التي تكون خالية من المصلحة وتقوم على الحب والمودة، ومن أصدق الأصدقاء في الإسلام الصداقة بين الرسول صلى الله عليه وسلم ورفيقه أبو بكر الصديق الذي كان أول من أسلم من الرجال وصدقه وسانده طوال سنوات الرسالة وتبليغ الإسلام.
لكن للاسف، إننا نعيش في زمن مفتقر للحب الصادق بين الأصدقاء، بحيث أنه أصبحت المصالح متبادلة هي التي تحكم هذا النوع من العلاقات، وبمجرد ما أن تنتهي المصلحة تزول كل تلك المشاعر الزائفة التي كانت تقدم على أنها حب، فالأصدقاء الزائفين أصبحوا الفئة الطاغية عكس الأصدقاء الحقيقين الذين يمثلون الفئة القليلة والنادرة، ولكن كما هو الحال في أرقى القطع المعدنية الثمينة سيكون من الصعب جدا معرفة ما إذا كانت أصلية من الظاهر.
ودوما حب المصلحة بين الأصدقاء كالغمامة في صيف مشمس وكالسراب بقيعة سرعان ما يتلاشى، في المقابل فإن الصداقة التي تحمل حبا صادقا يوجد فيها نكران الذات إخلاصا لمن تتقاسم معهم هذه الرابطة، فيكون الصديق هنا محبا لك في الله، فتجده الأنيس الناصح، والرفيق الصادق، والجليس العاقل التقي، وهذا مما يمكن تصنيفه ضمن المنح الربانية، فأن تكون ممن يتمتع بصداقة صادقة فأنت منعم بنعمة عظيمة من حيث لا تدري.
لذا لابد للإنسان قبل اختيار اصدقائه أن يختارهم بعناية ويرى إن كانوا صادقين ام لا، وان كان بإمكانه الاعتماد عليهم وقت الشدة ام لا يستطيع، فيجب أن يكون الإنسان ذا بصيرة في اختيار الاصدقاء، فلا ينخدع بالمظاهر وبحلاوة اللسان والكلمات البراقة التي تظهر المحبة، لكن ما ان يحدث موقف حساس تحتاجه فيه يظهر على حقيقته ويظهر كذبه، لذا لابد من التاني قبل أن تتخذ صديقا وتبدأ بمصارحته باسرارك الخاصة وتبوح بماضيك.
وهكذا فقد امرنا الله سبحانه وتعالى من خلال الاحاديث التالية، أن نختار الصديق الصالح الذي يمكن له أن يعيننا على الطريق الصحيح بدلاً من الصديق الطالح الذي يعيننا على الطريق المنحرف، حيث روى أبو موسى الأشعري عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: [إنَّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، والْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً]، رواه مسلم.
وجاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: [المرءُ على دينِ خليلِهِ، فلينظُر أحدُكُم مَن يخالِلُ]، حديث حسن.