حضر الغياب
حمزة الياسين
في الفجرِ يصحو
مع تراتيلِ الملائكةِ النديَّةِ
يتركُ الأيامَ تمضي خلفَهُ
ويعمِّدُ الوجهَ المجعَّدَ
بالسحاب
يتلو ترانيمَ الصلاةِ؛
فيزهدُ الموتُ المقيمُ
ُ على ملامحِهِ بهِ
يرنو إليَّ
يرى ظلالي قربَهُ ؛ فيقولُ لي:
شمسُ الحياةِ
تميلُ يا ولدي
إلى فلكِ الغياب
هيِّئ ليَ الدَّربَ المعبَّدَ
باقتباساتِ القدامى
من ملاحمِ ربِّهم
آنَ الأوانُ لأستريح؛
فهيِّئِ السمواتِ لي
كي أحضُنَ الأرضَ المقدَّسةَ التراب
حضرَ الغياب
ربضتْ ذُراهُ على شفاهي
مثلَ مقصلةٍ
وغيمُ الجرح
يا ولدي
يفضُّ غبارَ أيَّامي
يشدُّ عظاميَ الهلكى
لآخرِ أسطري
ويقودُني
-متغضِّنَ الكفين-
أقرأُ
ما توارى في الكتاب:
أرى مماتي في الحضور
أرى حياتي
في الغياب..
هناكَ أبصرُ كلَّ من مرُّوا أمامي
زاهدين
فلا يبالي شاعرٌ
بجمالِ خاطرةٍ تمرُّ
ولا يبالي بالكنايةِ
لا تراودُهُ الحروف
ولا تحاورُهُ الغزالةُ؛
يحتسي ساعاتِهِ متمهلاً
كالفيلسوفِ ، وكالنبيِّ
وكالأيائلِ ، والنسور
هناك
كلُّ الكائنات
ستدركُ المعنى
وتبلغُ كُنهَ حكمتِها؛ ستعلمُ
كم تشابهُ بعضَها
في موتِها
أو بعدَهُ
أصغي بني:
حضرَ الغياب
تبدَّدتْ ضحكاتيَ الأولى
وخانَ القلب
صهوةَ مهرتي
ما عادَ يغريهِ الحفيفُ
ولا تهيِّجُهُ الرغائبُ
باتَ هشَّاً ؛ كالسراب
لم يبقَ لي
إلا بقايا من حياتي
ثم يحجبُني الضباب
هيِّئ ليَ السمواتِ يا ولدي
وعزِّي ما تبقى
من قصائدِكَ الوئيدةِ
هيِّئِ النسيان لي
وانثرْ قصيدتيَ الأخيرةَ
في اليباب.حضر الغياب