رؤية على سرير الموت
بقلم ـ السعيد عبدالعاطي مبارك الفايد – مصر
بعد رحلة عطاء نهض من غفوته بين رهبة و رغبة يتساءل كيف مضت تلك الأيام الطوال بحلوها و مرها في رضا و سخط و حب ُكُراهية في شد و جذب صياح و صمت ٠
تجمع حوله البعض و نفر منه الكثير ، و سرعان ما انفضح كل من حوله ينكر الجميل و لا يعترف بالمعروف حينما كان نكرة لا وزن له في المعادلة ، فأخذ بيأديهم نحو النور يمنحهم قُبلة التشجيع لا التعنيف ، يجعلهم يحاولون و يتدربون كي يتقنون كل ما لديهم من رؤية في تخطيط و إقدام و شجاعة ، لا يصادر فكرا و لا رأيا و لا يمنع تعبيرا و لو له نتائج و خيمة يؤمن بقسط من الحرية ٠
لكن من تغلغل الزمن داخل جسده النحيل و قلة دخله و تقدم السن بدأت المراسم تتعطل نوعا ما و ينسحب البساط من تحت قدميه في هدوء نسبي ٠
ثم تم الإخبار بهذه القرارات و التي لم تكن مفاجأة كان يعمل حسابها و يتهيأ لها نفسيا و ماديا بصدر رحب ٠
فجلس في مقهى تراثية يسترجع ملامح الذكريات في رؤية كاشفة يُلملم فيها بقايا أشلاء الحاجات الماضية من ذاكرة متعبة لا يؤمن بضربة حظ ، فهو يراجع الحسابات بدقة في موازنة مكسب و خسارة حتى استقرت الزوبعة ، و تهادت له الأمور جلية أمام مخيلته فراجع ما تحت يده من صحف و مجلات كان قد نشر فيها خلاصة تجربته الهاربة و الغاربة من أرشيف الذاكرة ، ثم استعاد قواه في تحدي و صمود كي ينهض من جديد أمام التحديات و العقبات عابرا للحواجز و المثبطات معترفا بهذا الفتور و التخاذل و الاستسلام ٠
فأخذ ورقة كبيرة مقسمة و بقلم رصاص قام بعمل خطوط و ظلال لمناطق مجهولة من سنوات العمر في عملية محاسبة و استقر على أن يقوم بكتابة سيرته الذاتية بنجاحاتها و إخفاقاتها دون خجل لعلها تكون بمثابة معجم كاشف للحقيقة دون تزين أو تلفيق ٠٠
ثم ترك فنجان القهوة لم يرتشف منه قطرة ظنا منه إنه صائم اليوم ، و أخذته سنة من النوم فطاف بأحلام اليقظة تائها بين رحاب مدينته الفاضلة فاستيقظ لا شيء جديد تحت القبة فمزق الورقة و ألقي بالقلم في سلة النفايات خلف باب المقهى مودعا الصحاب بلا رجعة و انصرف في هدوء و لا يعرف إلى أي وجهة ينصرف و يولي شطره ، و رورغت عيناه بالدموع و هو يضرب كف بكف مرددا في تنهيدة طويلة منقطعة الأنفاس و يبقى المستحيل ، ربما أكتب سيرتي على سرير الموت ! ٠
رؤية على سرير الموت