رسالات الله من خلال خلقه: تأملات في خسوف القمر
بقلم / محمود عبد الظاهر
في ليلة أمس، شهدنا ظاهرة خسوف القمر، تلك الآية الكونية التي تقف شاهدة على عظمة الخالق سبحانه وتعالى. إنها ليست مجرد ظاهرة فلكية عابرة، بل رسالة إلهية تحمل في طياتها دعوة للتفكر والتدبر، دعوة للإنسان كي يعتصم بحبل الله، ويوحد ربه، ويبتعد عن الشرك به شيئًا. قال تعالى: { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا } [ الإسراء: 59]
ففي هذا الخسوف آية تذكّر البشر بضعفهم أمام قدرة الله، وتدعوهم إلى الإيمان المطلق به، واليقين التام بأنهُ لا شيء يؤثر في شيء إلا بإذنهِ سبحانه.
إن الله، الواحد الأحد، المتفرد بالعظمة والكبرياء، هو من خلق هذا الكون بما فيه من شمس وقمر، وهما خلقٌ من خلقه، يسبحان له ويسجدان. فالشمس والقمر ليس إلا آيتين من آياته، تتحركان بأمره، وتسخران لخدمة الإنسان.
” عبدي اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فاتتك معرفتي فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ” هذه دعوة صريحة للإنسان كي يبحث عن ربه في خلقه، في آياته، وفي كلامه المنزل.
العاقل هو من يتفكر في خلق الله، فيتوصل إلى معرفة عظمته.
والعاقل هو من يتدبر آيات القرآن الكريم، ذلك الكتاب العظيم، كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، المتحدي بأقصر سورة منه. القرآن الذي ذكر حقائق علمية قبل أكثر من 1447 عامًا هجريًا ، اكتشفها العلم الحديث لاحقًا بفضل العقل الذي وهبه الله للإنسان. إن هذا الكتاب يحمل في طياته دلائل على قدرة الله، وإعجازه في خلقه، من تكوين الإنسان من نطفة إلى أن يصير خصيمًا مبينًا.
يا أيها الإنسان، اعرف ربك من خلال خلقه، من كلامه، من آياته، ومن تأييده لرسله والمؤمنين الصادقين. لا تدع للشيطان عليك سبيلاً، بل احسن الظن بالله، الخالق العظيم، الموصوف بأسمائه الحسنى وصفاته العليا. إن الإنسان، بما أودعه الله فيه من نعمة العقل والتفكر، مُكلف بأن يعرف ربه، ويشكر نعمه، فهو من سخر الكون لخدمته، وهو من رزقه من قبل أن يولد.
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾
[ سورة الانشقاق: 6]
فأعِدَ للسؤال جوابًا، وتجهز للقاء الله، فهو سبحانه يرعاك ويتولاك بعنايته. إننا، وإن قصرنا في عبادته كما أمر، فإنه سبحانه وتعالى رؤوف رحيم بالمؤمنين، وهو برحمته يتغمدنا، فنرجو أن نكون منهم، وألا يشغلنا بسواه.
الحمد لله رب العالمين، حمدًا يليق بجلاله وعظمته، حمدًا بعدد خلقه. سبحانه سبحانه، والصلاة والسلام على رسول الهُدى، الحبيب المصطفى، خير رسل الله ورحمته للعالمين. اللهم أنفعنا بمدد رسولك الحق المبين، ولا تحرمنا من صحبته ولقياه في جناتك جنات النعيم، آمين.
رسالات الله من خلال خلقه: تأملات في خسوف القمر
بقلم / محمود عبد الظاهر