نرى أشخاصاً غير قادرين على طهي وجبة ساخنة أو لا يستخدمون الماء الساخن للغسيل..
يعتمد بعض الناس على الشموع للإضاءة.. جانب من معاناة عدد من البريطانيين
خلال فصل الشتاء الماضي، طبقاً لما رصده الرئيس التنفيذي لإحدى المنظمات البريطانية
التي تعمل على القضاء على فقر الوقود وتتبنى حملات لزيادة الاستثمار فى كفاءة الطاقة
لمساعدة الفقراء في الحصول على حرارة ميسورة التكلفة.
ووفق ما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية عن الرئيس التنفيذي
لمنظمة National Energy Action آدم سكورر،
فإن الآخرين الذين يعطون الأولوية للتدفئة واستخدامات الطاقة الأخرى
يقعون بشكل أكبر فى ديون الطاقة والتي وصلت الآن إلى مستويات قياسية.
ولا تزال فواتير الطاقة فى بريطانيا أعلى بمئات الجنيهات سنوياً عما كانت عليه
فى بداية أزمة الطاقة. كما أنه من المرجح أن ترتفع مرة أخرى فى يناير المقبل
ويبدو أنه لا مفر من أن الوضع سيزداد سوءاً هذا الشتاء.
ويدفع البريطانيون فاتورة باهظة جراء أزمة الطاقة التى تشهدها البلاد،
فى وقت تعتمد فيه المملكة المتحدة على شراء الغاز من الأسواق الفورية
نظراً لافتقارها إلى سعات تخزين كبيرة.
وبينما واجهت إمدادات الغاز ضغوطات واسعة العام الماضى بسبب تأثيرات الحرب
في أوكرانيا وتداعياتها على الأسواق مع العقوبات المفروضة على روسيا فإن
البريطانيين قد عاشوا شتاءً صعباً بشكل نسبى. فيما يتوقع امتداد الأزمة العام
الجارى أيضاً.
وأدت الحرب فى أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار مواد الطاقة عالميا مع فرض
دول غربية عقوبات على صادرات موسكو الضخمة من النفط والغاز.
ووفق بيانات نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية هذا الأسبوع فإن:واحدة من كل أربع
أسر فى المملكة المتحدة تعيش فى مساكن اجتماعية اضطرت إلى البقاء بدون تدفئة
فى بعض الأحيان فى الشتاء الماضى لتقليل تكلفة فواتير الطاقة المرتفعة القياسية.
ارتفع عدد الأسر التى تعيش فى درجات حرارة أقل من 18 درجة مئوية لفترات
خلال الشتاء الماضي بنحو 240 ألف شخص مقارنة بالشتاء السابق (..).
تم جمع البيانات من أجهزة تنظيم الحرارة الذكية التي تم تركيبها لدى حوالى 20 ألف
أسرة فى مشاريع الإسكان الاجتماعى من قبل شركة تحليلات الطاقة Switchee.
تحلل الشركة مليارات نقاط البيانات لتزويد أصحاب المساكن الاجتماعية برؤى يمكن
أن تساعد فى تحسين كفاءة استخدام الطاقة فى العقارات. وقد كشف تحليلها
عن عدد متزايد من الأسر التى تعيش فى منازل باردة.من لندن يقول الرئيس التنفيذى
لمركز Quorum للدراسات، طارق الرفاعى إن المشكلة التى تواجهها بريطانيا
وكذلك الاتحاد الأوروبى هى مشكلة فى البنية التحتية للاقتصاد خاصة من حيث التطورات المرتبطة بمحاولة التحول إلى الطاقات البديلة بسرعة وقد رأينا التأثير فى ألمانيا على سبيل المثال لجهة إغلاق جميع المفاعلات النووية المستخدمة فى توليد الكهرباء بسبب توقعات باستخدام الطاقات البديلة التى لم تكف الاستهلاك والآن اضطرت برلين إلى الاعتماد بشكل أو بآخر على توليد الطاقة من خلال الفحم (..).ويضيف: فى بريطانيا رأينا فى وقت سابق كذلك محاولة لغلق بعض محطات الطاقة التي تعمل بالفحم ولم تستطع لندن الاستمرار على هذا المسار، وهو ما أدى بشكل كبير إلى أزمة الطاقة (..) وبالتالى يتعين النظر فى البنية التحتية لاحتياجات الطاقة في بريطانيا وثم الاستثمار فى بعض البدائل الواقعية مثل الطاقة النووية وغيرها.
والشهر الماضى أعلنت لندن عن تخليها عن جزء من سياستها الخضراء. وأقر رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك تأجيل عدد من الإجراءات الأساسية المرتبطة بالسياسات المناخية فى البلاد بما أثار لغطاً واسعاً.
شملت هذه الإجراءات الجديدة تأجيل الحظر المفروض على بيع السيارات الجديدة (العاملة بالبنزين والديزل) لمدة خمس سنوات (فيما كانت المهلة المحددة هى بداية العام 2030).ت المهلة المحددة هى بداية العام 2030).
وفى السياق تتبنى لندن خطة تهدف إلى التخلص بشكل تدريجي من أجهزة التدفئة العاملة بالغاز الطبيعى وذلك بداية من العام 2035 وكذا التخلى عن الإجراء المتعلق بكفاءة استخدام الطاقة فى المساكن وفرض قيود شديدة على المالكين.
ويشير الرفاعى إلى اعتماد المملكة المتحدة على إمدادات الطاقة من دول أجنبية بشكل أكبر وبما يؤدى إلى خلل فى محاولة الحفاظ على استقرار أسعار الطاقة بالبلاد لا سيما فى ظل التقلبات التى تشدها أسعار النفط والغاز مع تبعات المشاكل الجيوسياسية كما رأينا العام الماضى مع بدء الحرب فى أوكرانيا -فى 24 فبراير 2022- واليوم نرى قلق المستثمرين وأسواق المال بخصوص مدى تأثر إمدادات الطاقة لبقية دول العالم (فى إشارة للمخاوف الناجمة عن التوترات فى غزة وتأثيراتها على الأسواق ومعنويات المستثمرين).
وتعانى الفئات الأكثر ضعفاً والأقل دخلاً بالبلاد من تبعات تلك الأزمة ويضطرون مع ذلك إلى الاستعداد لشتاء ربما أكثر صعوبة من سابقه
ونقلت الغارديان عن مؤسسة ناشيونال إنيرجى أكشن الخيرية المعنية بفقر الوقود أن الكثير من الناس قد يضطرون إلى العيش دون تدفئة هذا الشتاء بعد أن خفضت الحكومة مدفوعات الدعم.. وبحسب الرئيس التنفيذى للمنظمة فإن:
البيانات الجديدة ترسم صورة مروعة لما حدث في الشتاء الماضى وما يحدث مرة أخرى الآن فى ملايين المنازل فى جميع أنحاء المملكة المتحدة.
الناس فى جميع الفترات يستخدمون أقل ولكنهم لا يزالون يدفعون أكثر.
الملايين من الناس يقومون بخفض درجة حرارة منازلهم إلى درجة قد تشكل خطراً على صحتهم أو حتى قاتلة.
يأتى ذلك فى وقت حذر فيه الخبراء من أن المستأجرين ذوى الدخل المنخفض سيواجهون فواتير طاقة أعلى نتيجة لقرار الحكومة إلغاء خطط لإجبار أصحاب العقارات الخاصة على تحديث عقاراتهم لجعلها أكثر كفاءة فى استخدام الطاقة.وبالعودة لحديث الرئيس التنفيذى لمركز Quorum للدراسات فإنه يفضل فى هذا الساق مقارنة أزمة الطاقة فى بريطانيا مع الوضع فى فرنسا على سبيل المثال منوهاً بأن باريس فى مكان جيد مقارنة بلندن لأن الأولى لديها إمكانية توليد 70 بالمئة من طاقتها الكهربائية من المفاعلات النووية (56 مفاعلاً) بعد أن تبنت خطة استراتيجية للطاقة على مدار ما يصل إلى ثلاثة عقود.. بينما بريطانيا وألمانيا أيضاً لم يكن لديهما هذه النظرة الاستراتيجية وبالتالى يتعين النظر إلى هذا البعد وتبنى أهداف استراتيجية طويلة المدة على خطى باريس
ويشدد الرفاعى فى السياق نفسه على أن الحل الأمثل لهذه الدول التوجه نحو بشكل أوسع نحو الطاقة النووية حالياً لا سيما وأن الطاقات البديلة تستغرق وقتاً طويلاً (..)
وفى يوليو الماضى أعلنت الحكومة البريطانية عن اتجاهها لإصدار مئات التراخيص الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز فى بحر الشمال لضمان احتياطاتها من الطاقة لأعوام مقبلة مع مواصلة السعى لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرى فى 2050.
ووفق رئيس الوزراء البريطانى فإن الحكومة تتخذ إجراءات لإبطاء الانخفاض السريع في إنتاج النفط والغاز محليا ما سيضمن العرض (المحلى) من مصادر الطاقة ويقلّل الاعتماد على دول عدوانية
يأتى ذلك فى وقت تعانى فيه المملكة المتحدة من عدة أزمات تفاقم الضغوطات الاقتصادية لا سيما منذ جائحة كورونا فى العام 2020 ثم الحرب فى أوكرانيا والأزمات ذات الصلة ومنها أزمة الطاقة والغذاء وغيرهما علاوة على تأثر البلاد بالخروج من الاتحاد الأوروبى فيما يحمّل البعض البريكست مسؤولية تردى الأوضاع الاقتصادية.
وحقق الاقتصاد البريطانى فى النصف الأول من العام الجارى معدلات نمو أقل بنسبة 0.2 بالمئة عما كان عليه قبل الجائحة الأمر الذى يعنى وضع بريطانيا فى مرتبة متأخرة ضمن الاقتصادات المتقدمة الكبرى.من جانبه يقول عضو حزب العمال البريطانى مصطفى رجب إن أزمة تكلفة المعيشة من سيء لأسوأ فى بريطانيا بداية من جائحة كورونا ثم الحرب فى أوكرانيا وصولاً إلى الوضع الحالى فى منطقة الشرق الأوسط ويضاف إلى ذلك تداعيات الخروج من السوق الأوروبية بعد البريكست والتأثيرات الاقتصادية المرتبطة بذلك
ويضيف: ثمة أوضاع كثيرة جدت على البريطانيين حتى أن بعضهم بدأ يلجأ إلى بنوك الطعام مع زيادة مصروفات الحياة أو كلفة المعيشة.. علاوة على ذلك بدأ الناس يقتصدون فى استعمال التدفئة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة فضلاً عن الاقتصاد كذلك فى الإضاءة وصار يتم تداول نصائح للتعامل المالى مع مشكلة غلاء الأسعار وسبل توفير المال.
ويشير فى الوقت نفسه إلى أن الحكومة البريطانية أطلقت مبادرات وبرامج تحت شعار (RE) أو (إعادة) من أجل إعادة التصنيع أو إعادة الاستخدام لمساعدة الناس على عدم إنفاق الكثير من المال وإعادة استعمال وتصنيع المهملات الخاصة بهم.
ويضيف إلى ذلك الأزمات المرتبطة بالغذاء سواء فيما يتعلق بزيادة الأسعار أو شح بعض الأصناف من الأسواق مشيراً إلى تأثير حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق كلها على الوضع الاقتصادى فى لندن بما فى ذلك التداعيات المرتقبة للتوترات فى منطقة الشرق الأوسط لا سيما حال ما إن اتسع نطاق التصعيد بين حماس وإسرائيل.