الاحتفال بلغة أهل الجنة
بقلم : عبادى عبدالباقى قناوى
ما يراه المحققون من أن مهد العنصر السامي جزيرة العرب، تبين لنا جليا صدق ما ذهبنا إليه من أن هذه اللغة هي العمود الذي انشعبت منه سائر اللغات السامية، أو لا أقل من أن العربية أقرب أخواتها كلها إلى الأصل الأول المندثر على تقدير وجوده. والعلماء يعللون ذلك بكون العربية عاشت في معظم عصورها مبتدية، والبداوة حرز حريز لما تحوطه بعنايتها وتربيه في حجرها من اللغات؛ إذ اللغة تتلون بتلون العمران، وتصطبغ بصبغة الحضارة التي تعيش في أكنافها، وأين العمران والحضارة من المهامه الفيح والصحارى التي تحار فيها الريح؟
مراحل تطوير اللغة العربية :-
ليس معنى كون العربية أصلا أو قريبة من الأصل أن هذه اللغة المضرية اليعربية التي تحوكها أقلامنا و تلوكها أفواهنا هي لغة تلك الأم القديمة على ما كانت عليه في مجد حياتها، حفظتها لنا القرون الخالية فأدتها إلينا مصونة من التحوير والتغيير؛ لا و إنما المقصود أن الشعب العربي الذي ما زال ولم يزل يحتفظ بجزيرته، مهد العنصر السامي، احتفظ بأم لغات هذا العنصر، وأن الأم تطورت من حال إلى حال، و تعهدتها الأجيال بالصقال، ولم تزل تتنازعها عوامل البسط والقبض والرفع والخفض إلى أن تناولتها يد النهضة الإسلامية فجمعت شملها، ولمت شعثها، وزادت في ثرائها، و بالغت في نمائها، ثم وطدت قواعدها، وضبطت أصولها وفروعها، وأحاطتها بعظيم رعايتها، وشملتها بجليل حمايتها، إلى أن بلغت ما بلغت من البسطة في السلطان والكثرة في الأعوان، واتسع صدرها للعلوم المختلفة من بين شرعية، ولسانية، وفلسفية وغيرها، وبلغت يومذاك شأوا قصيا لم تصل إليه لغة من لغات العالم التي كانت تعاصرها.
فإذا أنت ألقيت نظرة إليها وهي زاخرة بالعلوم والفنون في العصر العباسي، تجدها أوسع رقعة منها في العصر الأموي. وهي في العصر الأموي وصدر الإسلام أفسح مجالا منها في الجاهلية يوم كانت منعزلة في زوايا الجزيرة. وقس على ذلك حالها في الجاهلية الآخرة بالنسبة إلى حالها في الجاهلية الأولى.
وبالجملة فإن اللغة تنبسط بانبساط أهلها في الحضارة والعمران، وتنقبض بانقباضهم، وترتقي بارتقائهم، وتنخفض بانخفاضهم، وهي بعد كائن حي معروض لعوامل التركيب والتحليل والتجدد والاندثار وسائر العوامل التي تخضع لها الأحياء من هذا القبيل.
وأهم علائم الحياة في اللغة تحكم عاملي التجدد والدثور في بنيتها كالإنسان في عنفوان شبابه، فتستغني عن ألفاظ وتراكيب، وتضم إلى نفسها ألفاظا وتراكيب حسبما تقضي به عوامل النشوء والارتقاء، أو كما يقولون حسبما يتطلبه قانون الانتخاب الطبيعي، ومن هذا نعلم أن العربية اليوم غيرها بالأمس .
نختم حديثنا بأن اللغة العربية تمتاز بعناصر منها :-
(١) الإعراب .
(٢) دقة التعبير .
(٣) الإعجاز والإيجاز .
(٤) المترادفات والأضداد .
(٥) المعاني الكثيرة للفظ الواحد .
(٦) السجع وغيره من أسباب سعة اللغة .
(٧) حكاية الأصوات .
(٨) الأمثال.
والله المستعان