إن تكوين المحلل النفسي:
بقلم/ د. حنان حسن مصطفي
لا يتحقق بمجرد التمرّس في قراءة النصوص النظرية للتحليل النفسي وحفظها عن ظهر قلب، ولا من خلال استعمال المصطلحات التقنية بإتقان. كما لا يكفي أن يخضع المرء لتحليل شخصي طويل يمتد لسنوات، ثلاث مرات أسبوعيًا، أو أن يمارس التحليل تحت إشراف متخصصين لفترة من الزمن. فهذه كلها شروط لازمة، لكنها ليست كافية، وهي في النهاية لا تمثل إلا بوابة النظام الرمزي التي يدخل منها المرشّح إلى الحقل.
المحلل النفسي – وبالأخص في التصوّر اللاكاني – ليس نتاج هذا النظام فحسب. إنه ثمرة قيامة، قيامة بالمعنى الوجودي–النفسي: موت الأنا، موت الصور التي شكّلتها مرحلة المرآة، موت الضمانات التي يمنحها النظام الرمزي. إنها لحظة الانهيار والهدم والحداد على البنية النفسية القديمة.
ومن تحت هذا الركام، يبدأ عمل آخر: عمل إعادة البناء. هنا تصبح الأدوات النظرية، والتحليل الشخصي، والخبرة العيادية، وسائل لإقامة هيكل جديد، يترتب فيه المعنى لا انطلاقًا من يقين أو سلطة، بل استنادًا إلى تجربة التحليل وما تكشفه من معرفة قبلية، ومن نتائج تنبثق من الممارسة نفسها.
في هذه المرحلة، لا يعود المحلل النفسي مخلوقًا من الخارج عبر سلطة المؤسسة، بل يعترف بنفسه، كما قال جاك لاكان: L’analyste ne s’autorise que de lui-même، مع إضافة لا تقل أهمية: et de quelques autres. فالمحلل حين يصل إلى هذه العتبة لا يجد أمامه إلا الحقيقة، مجردة، بلا أقنعة ولا ضمانات. عندها تسقط جميع السلطات الرمزية، ويظل الاعتراف بها قائمًا، لكن لا بوصفها يقينًا مطلقًا، بل كهبة، كمنحة تُعطى وتُسحب، دون أن تثبت وجودها في صورة نهائية أو مكتملة.
إشارة إمتياز
إن تكوين المحلل النفسي: