دراسة تحليليّة في ” جدل التضاد في شِعر الباخرزي ”
سامر منصور
” جدل التضاد في شعر الباخرزي ” عنوان الكتاب الذي صَدرَ مؤخراً للدكتور وليد عوَيد حُسَين عَلي وهو دراسة تحليليّة عميقة لشعر الباخرزي قُسِّمَ إلى ثلاثة فصول في كُلٍّ منها ثلاثة مباحث ، تناول في أولها الثنائيات المتضادة في النواحي الفكرية عبر :
الثنائية المتضادة ( الحياة / الموت )
الثنائية المتضادة ( الشباب / الشيب ) .
الثنائية المتضادة ( الخوف / الأمن ) .
تناول الفصل الثاني من الكتاب الثنائيات المتضادة في النواحي الاجتماعية :
الثنائية المتضادة ( العزة / الذلة ) .
الثنائية المتضادة ( الحب / الكره ) .
الثنائية المتضادة ( الفرح / الحزن ) .
بينما تناول الفصل الثالث الثنائيات المتضادة في النواحي الاقتصادية ( المادية ) :
الثنائية المتضادة ( الكرم / البخل ) .
الثنائية المتضادة ( الغنى / الفقر ) .
الثنائية المتضادة ( النصر / الهزيمة) .
كما جاء في نهاية الكتاب مُلخَّصٌ عنه باللغة الإنكليزية وفي ختام تلك الدراسة الشاقة يمكننا إجمال عدّة نتائج كانت الأكثر بروزًا ضمن تفصيلات فصولها ومباحثها وفقراتها، هذه النتائج جاءت بوصفها مُحصلة حتمية لهذا العمل وثمرة من ثماره التي نأمل أنها أتت أكلها، فهي بمنزلة إعادة ما سبق من قراءات لنصوص الباخرزي، وكذا فإن هذه النتائج هي ما استطاع الباحث استخلاصه من تلك القراءات، ومن هذه النتائج :
– فيما يخص سنة ولادة الباخرزي المجهولة لدى كل المصادر السابقة فقد استطاعت الدراسة اثبات سنة ولادته من خلال آلية الاستنتاج شبه الحقيقي من خلال الرجوع إلى حديث الشاعر نفسه في كتابه (دمية القصر) الذي يحدد فيه مدة صباه و غلمه، ذلك ما دفع الباحث الى الرجوع الى النص القرآني الكريم مستنتجًا فترة الصبا والغلم، الأمر الذي ساعد على تحديد عام ولادة الشاعر بالترجيح ما بين عامي 418هـ – وعام 423هـ.
– أثبتت الدراسة تجلي اللغة الشعرية العالية لدى الشاعر، تلك اللغة التي تحكمها قضية التشفير تارة وقضية المفارقة الشعرية الانزياحية تارة أخرى ولاسيما في مختتم النص الشعري، هاتان القضيتان استطاعتا إعطاء الثنائيات الضدية على وجه العموم والثنائيات الضدية عند الباخرزي على وجه الخصوص وجهًا آخر غير متداول في النص الشعري السابق، وكذا القصيدة العباسية عامة وقصيدة الباخرزي خاصة، إذ تميزت تلك اللغة المعجمية بوجود الكثير من المثيرات الجمالية فيها كالصورة الشعرية فضلًا عن تميزها بالإيحاءات الكثيرة التي تصل أحيانًا إلى حد الغموض الإيحائي المتفرد.
– اثبتت الدراسة حضور آلية الغموض الفني والايحائي والمعنوي في كثير من أطراف الثنائيات المتضادة في نصوص الباخرزي من خلال آلية (الحضور/ الغياب) بحضور واضح لأحد طرفي الثنائية وغياب للطرف الآخر ما حدا بالباحث إلى الركون إلى آلية التقدير والاستنتاج للطرف الغائب ومعانيه.
– لم تكن الثنائيات الضدية في شعر الباخرزي مألوفة في كثير من الاحيان ولم تأتِ مشابهه لما سبقها من تلك الثنائيات المتضادة في أشعار السابقين؛ بل جاءت عميقة الدلالة صعبة المعاني نتيجة للغة الشاعر العالية، الأمر الذي دفع الباحث إلى كشف معانيها من خلال اعتماد آلية القراءة المتعمقة المتفحصة بغية الحصول على أطراف التضاد فيها.
– حفلت قصائد الباخرزي ببعض الثنائيات التي كان لها الأثر الكبير في اشاعة الحركة والحيوية في النص الشعري.
– أكدت الدراسة حقيقة أن التضاد في المعاني والألفاظ في قصائد الباخرزي على صفة الخصوص والشعر العربي على وجه العموم لم يكن منحصرًا ضمن نطاق النص الشعري فحسب، بل هو نتيجة حتمية لكل المتضادات التي مرت بها الحياة البشرية والإنسانية وما هذه الأولى إلا اعادة صياغة وتطويع وتطوير لهذه الأخيرة.
– بعض المعاني المتضادة في نصوص الباخرزي جاءت لتكشف عن حقيقة ذات الشاعر ومعبرةً عن تجربته في الحياة وحالته النفسية إذ استطاع أن يعكسها من خلال هذه المعاني المتضادة بغية ايصالها إلى القارئ تامة المعنى، ومن جانب آخر ساعدت تلك المعاني في الثنائيات الضدية القارئ على كشف تلك التناقضات والمفارقات التي كانت توجه الشاعر في حياته.
– أكدت الدراسة علو شأن الشاعر في استخدام اللغة وسبقه الكثير من الشعراء السابقين له في هذا المضمار، وذلك تمثل من خلال إجادته التلاعب بالمفردات اللغوية فتاتي عنده الثنائيات المتضادة مرة على صعيد المعاني ومرة أخرى على صعيد الألفاظ ومرادفاتها، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على مدى سعة ثقافة الباخرزي العالية وعلمه بكل فنون اللغة العربية واسرارها.
– اعتماد الباخرزي بشكل كبير على آليتي الحذف والاضمار اللغويتين في بناء الثنائيات المتضادة في قصائده، وهذه تعد من فرائده في هذا الميدان، فهو في أحيان يفصح للقارئ عن طرف الثنائية الأول فيما يدع ملامح الطرف الثاني مختبئة تحت عباءة الحذف والاضمار تاركًا للقارئ مهمة الكشف عن ملامح ذلك الطرف الغائب، وهذه دلالة على تمكن الشاعر من صنعته الشعرية وباعه الطويل في هذه الصناعة.
– اظهرت الدراسة أن المعاني المتضادة على مستوى النواحي الاجتماعية جاءت معبرة عن وضع اجتماعي جديد مختلف اختلافًا جذريًا عن حاله في المجتمعات السابقة، وذلك جاء نتيجةً حتمية للتطور الهائل الذي حدث في العصر العباسي نتيجة امتزاج الحضارات وذلك ما انعكس بصورة تامة على النص الشعري عامة وعند الباخرزي خاصة.
– أسفرت ثنائية (الغنى/الفقر) عند الباخرزي عن بعض جوانب الشاعر الفنية التي دفعته إلى الإكثار من قصائد المدح المتضمنة أحيانًا لمعاني التضاد وعلى مستوى هذه الثنائية، فجاءت معبرة مرة عن ذات الشاعر ومرة أخرى جاءت معبرة عن ذات المجتمع ككل.
– اتكأ الباخرزي في كثير من نصوصه على آلية التناص في إبراز الثنائيات الضدية في نصوصه الشعرية، ما جعلها ظاهرة قائمة ومتجلية الوضوح على امتداد ديوانه.