فرض عقوبات رادعة للمفسدين
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله بما أسدى والشكر له ما تنسمت علي الخلائق جدواء، فأي آلاء الله أحق أن تُشكر؟ أجميل أظهره؟ أم قبيح ستره وما أبدى؟ ولم تزل آلاء ربك تتوالى، ما منّ ربك عطائه، وما أكدي وما أكدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إن الإسلام يعمل على تنمية وتقوية الوازع الدينى لدى كل أفراد المجتمع حتى يكون الوازع الدينى هو الذى يمنع المرء من ممارسة الفساد وارتكاب جرائمه، وكذلك تربية النشء على المبادئ الإسلامية لأن الأبوين هما المسئولان عنهم، وبين ذلك الرسول في قوله ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ” وكذلك فرض عقوبات رادعة للمفسدين.
وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل من تسول له نفسه أن يفسد أو يقدم على أي نوع من أنواع الفساد بكل صوره، وليس الهدف التشفي أو الانتقام من المفسد، لذلك عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، على تأصيل هذه المعاني في نفوس الصحابة، وكذلك رعاية الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية، وإن العدالة الاجتماعية هى إعطاء كل فرد ما يستحقه وتوزيع المنافع المادية في المجتمع، وتوفير متساوي للاحتياجات الأساسية, كما أنها تعني المساواة في الفرص، أي أن كل فرد لديه الفرصة في الصعود الاجتماعي، ولا يشك عاقل في أن انعدام هذه العدالة الاجتماعية في أى مجتمع من المجتمعات، هو سبب هام جدا من أسباب الفساد مهما كانت القوانين صارمة، والعقوبات شديدة، والحكومات حازمة في تنفيذ القانون.
لذا من الضرورى والحتمى لأى دولة تريد القضاء على الفساد أن تعالج هذه المشكة، فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة موقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير، فيذكر أبو يوسف في كتابه الخراج أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه فقال من أي أهل الكتب أنت؟ قال يهودي، قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال أسأل الجزية والحاجة والسن، قال فأخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيده فذهب به إلى منزله، فأعطاه من المنزل شيئا، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، فقال الله تعالى” إنما الصدقات للفقراء والمساكين”
فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه، وهو عين ما فعله أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه حينما تولى الخلافة فقد عمل على كفاية الفقراء والمحتاجين، وتزويج الشباب، وغير ذلك، فحتى تكون هناك وقاية من الفساد, يجب أن نسد حاجة هؤلاء الأشخاص حتى لا يضطروا تحت وقع الضغوط المعيشية والحياتية وتحت ضغط المستوى الاجتماعي أن يمدوا أيديهم إلى أموال الناس فيأخذوا منها وهذا من باب سد الذرائع، فالفساد يقع من وجهين، وإن من الفساد هو واجب مهمل أو حق مضيع، فالوجه الأول وهو يتمثل في تقصير العاملين في واجباتهم المنوطة بهم وهذا شائع وكثير، والوجه الثاني، هو هضم الحقوق وغياب العدالة الاجتماعية.
فإن حلّ ظاهرة الفساد والإفساد وعلاجها لا يقتصر على فئة معينة، وإنما يشمل جميع أفراد المجتمع شبابا وأسرة ودعاة ومؤسسات وحكومة، فإذا كان الطبيب يعطى المريض جرعة متكاملة حتى يشفى من سقمه، فإن قصر فى نوع منها لا يتم شفاؤه فكذلك علاج هذه الظاهرة يكون مع تكاتف المجتمع بجميع فئاته، فكل فئة لها دور، وباكتمال الأدوار يرتفع البنيان.
فرض عقوبات رادعة للمفسدين