صدقوا ما عاهدوا الله
أول سفير فى الإسلام
الصحابى الجليل مصعب بن عمير
كتبت /منى منصور السيد
((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)) [سورة الأحزاب:23، 24].
مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي نشأ في مكة شابًّا جميلاً مترفًا، يرتدي أحسن الثياب، ويتعطر بأفضل العطور، رقيق البشرة حسن اللّمة ليس بالقصير ولا بالطويل، إلا أنه ما أن بلغت دعوة النبي محمد إلى الإسلام، حتى أسلم سرًا في دار الأرقم خوفًا من أمه ام خناس بنت مالك بن المضرب العامرية ومن قومه، فكان من السابقين إلى الإسلام. بقى مصعب على تلك الحالة إلى أن أبصره عثمان بن طلحة يصلي، فأخبر قومه، فأخذوه وحبسوه، فلم يزل محبوسا إلى أن هاجر إلى الحبشة، ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا. ثم بعثه النبي محمد بعد عودته مع نقباء الأنصار الاثنى عشر الذين بايعوا النبي محمد بيعة العقبة الأولى ليعلم من أسلم من أهل يثرب القرآن، ويدعوَ للإسلام، ويصلي بهم، فنزل ضيفًا على أسعد بن زرارة، وهو بذلك أول من هاجر إلى يثرب من المسلمين.
و كانت أمهُ أقسى وأعنف أم عرفتها العرب ، حبسته في غرفة ضيقه لمدة ثلاث سنوات وكانت تجرهُ في الأسواق كالبهائم وتضربه ضرباً مبرحاً بالسوط ، هو أحد أعلام الأمة ومن أوائل الذين أسلموا.
قصة هذا الصحابي :
هذه سيرة عَلمٍ من أعلام هذه الأمَّة ، وبطل مِن أبطالها ، صحابيٍ جليل مِن أصحاب النبي ، هذا الصحابي كان من السابقين إلى الإسلام ممن شهد بدراً و أُحد ، وكان حامل اللواء فيها وممن هاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة ، والثانية إلى المدينة ، أسلم على يديه الآلاف ، وكان أوَّل سفير في الإسلام .. نعم أول سفير في الاسلام.
إنه الصحابي الجليل “مصعب بن عمير” رضي الله عنه سفير الاسلام والفارس القويّ وأجمل فتيان قريش، وقصة مصعب ليست كأي قصة، فحياته تحولت في يوم وليلة من مدلل قريش الأول إلى مُعنف قريش الأول.
“مصعب بن عمير” شاباً منحه الله جمالاً ونجابه تألق بهما وسط فتيان قريش ، فقد كان رسول الله وسلم يقول عنه : «ما رأيت بمكة أحسن لمة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير ، فقد كان يلبس أفضل الثياب، ويتعطر بأجمل العطور، فيعرف بأعطر واجمل أهل مكة».
كانت أمه تدعى “الخناس بنت مالك” وهي من أغنى نساء قريش فكانت تهتم بأبنها أشد اهتمام وتلبسه اغلى الملابس وكانت مثالًا يحتذى به للام المثالية ولطالما حسدوا الناس مصعب على هذه الأم التي ترعاه وتهتم به اهتمام عظيم، لكن هذا الاهتمام والرقة تحولت بالكامل الى اضطهاد وعنف في يوم وليلة.
لما بلَغ “مصعبَ بن عمير” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم ، دخل عليه فأسلم وصدَّق به ، وخرج فكتم إسلامه خوفاً من خسارة ثقة أمِّه وقومه ، وكان يأتي إلى رسول الله سرًاً وقد أسلم في الثلاث سنوات الاولى من الدعوى وأستمر “مصعب” على هذا الحال.
حتى رآه أحد المقربين من أمه وهو يذهب إلى رسول الله ويجالسه فأوشى به عندها ، وهنا تحول الدلال الى عذاب ، فحبسوه في منزلهم في غرفة ضيقه وكانوا يطعموه الطعام الذي يكفيه فقط للعيش ويأتون إليه كل يوم ويحاولون فيه أن يرجع إلى دينهم ويترك دين النبيّ ﷺ، لكن مصعب لم يسمع لهم..
تطور الأمر من الحبس إلى الضرب مرارًا وتكرارًا وبشكل شبه يومي وكانت أمه تدخل عليه الخدم فيضربوه بشدة حتى يسيل الدم من كل موضع بجسده فيتركوه ليتعافى ثم تعيدهم مرة اخرى فيضربوه وهكذا استمر الوضع، ومازال مصعب بن عمير صامد وأفشل كل محاولاتهم لصده عن دينه..
رأت أمه أنه لا جدوى من حبسه وضربه فأرادت أن يراه الناس يضرب ويهان حتى يتأثر ويكون عبرة لكل من يفكر بالدخول في الإسلام فأمرت خدمها أن يأخذوه إلى الأسواق وأن يسحبوه كما تسحب الخراف المذبوحه، وأن يتم جلده أمام أنظار الناس وأمام أنظار أصدقاءه من المشركين والمسلمين.
وأستمر هذا الوضع لمدة ثلاث سنوات حتى عُرفت أمه بين الناس أنها أشد أم في قريش وأقساهم، حتى حانت الفرصة المتتظرة لمصعب في يومٍ من الأيام فأستطاع الهرب من الحبس والذهاب لرسول الله الذي أمر الصحابه بالهجرة للحبشه فأدركهم مصعب بن عمير وكان على رأس الذين هاجروا للحبشه..
بعدها بفترة عاد لمكة وتجنب لقاء أمه، ثم عاد مرة أخرى للحبشة للمره الثانيه، ولما علم مصعب أن رسول الله بايع الانصار رجع إلى مكة سريعًا لكن هذه المرة أدركته أمه وكانت له بالمرصاد وأرادت إعادة تلك الايام الصعبة مرة آخرى لكنه قال لها : (والله إن فعلتي ذلك لأقتل كل من تستعيني به لحبسي).
فرأت أمه مدى عزمه وإصراره فعرفت أنه لا جدوى من حبسه فقررت إطلاق سراحه وقالت له : اذهب ما أنا بأمك ..
وقبل أن يرحل وقف على رأسها وقبّل يديها وقال لها: (يا أماه إني لك ناصح وعليك شفوق فأشهدي أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله) ، فقالت بكل كبر : (قسماً بالثواقب لا أدخل في دينك)..
فرحل “مصعب بن عمير” عن أمه وفارقها وقلبه يتقطع عليها على الرغم من صنيعها به، وكتب الأنصار لرسول الله أن الاسلام بدأ بالانتشار في المدينة أفلا تبعث فينا رجلٌ يعلمنا ويفقهنا بالدين؟ فوقع اختياره صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير فكان أول سفيرًا بالاسلام..
وأسلم على يد “مصعب بن عمير” كبار الصحابة مثل (سعد بن معاذ و سعد بن عباده و اسعد بن زراره) وغيرهم من الصحابة الكبار رضوان الله عليهم، ثم أسلم على يده الألاف والألاف وكان لديه قبول رهيب وفقه عظيم بالدين فلا يلقاه احدًا الا واسلم على يديه مهما كان متعصبًا لدينه..
يقول الزهري: مصعب بن عمير الوحيد الذي أتيح له هو ان يسلم على يده هذا العدد من الأنصار، حتى كادت المدينة كلها تدين بإسلامها لمصعب بن عمير، وهو اول من صلى بالناس بالمدينه الجمعه وبعد الهجرة النبوية، صاحب مصعب النبي محمد الذي آخى بينه وبين سعد بن أبي وقاص، وقيل أبي أيوب الأنصاري، وقيل ذكوان بن عبد قيس. شهد مصعب مع النبي محمد غزوة بدر وغزوة أحد، وكان فيهما حامل لواء المهاجرين، وقد قُتل مصعب بن عمير في غزوة أحد قتله ابن قمئة الليثي حيث هاجمه ابن قمئة وهو يحمل اللواء، وضرب يد مصعب اليمنى فقطعها، فأخذ اللواء باليسرى فقطعها ابن قمئة، فضم مصعب اللواء بعضديه إلى صدره، فطعنه ابن قمئة برمح في صدره فقتله. لم يترك مصعب عند مقتله إلا نمرة، أرادوا تكفينه بها، فكانوا إذا غطوا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطوا رجليه بدا رأسه، فقال النبي محمد: «غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر»، وتولى دفنه يومها أخوه أبو الروم بن عمير وعامر بن ربيعة وسويبط بن سعد، وكان عمر مصعب حين قُتل 40 سنة أو يزيد. ولم يكن لمصعب سوى زوجة واحدة وهي حمنة بنت جحش، وله منها ابنة واحدة اسمها زينب، كان قد زوّجها عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة وأثنى عليه النبي عدة مرات في حياته وبعد وفاته، ومن ثنائه عليه:
لما رآه النبي مقبلًا وعليه إِهاب كبش قال: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ يُغَذِّوَانَهُ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَدَعَاهُ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى مَا تَرَوْنَ».
وبعد مقتل مصعب في غزوة أحد، مر عليه النبي مقتولًا فقرأ الآية: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ٢٣﴾ [الأحزاب:23].
صدقوا ما عاهدوا الله