حال الناس اليوم مع الوفاء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أمر بالإجتماع ونهى عن الإفتراق، وأشهد أن لا إله إلا الله الحكيم العليم، الخلاق الرزاق، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، رُفع إلى السماء ليلة المعراج حتى جاوز السبع الطباق، وهناك فرضت عليه الصلوات الخمس بالاتفاق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نشروا دينه في الآفاق، ومن تبعهم بإحسان إلي يوم التلاق ثم أما بعد إن أعلى درجات الوفاء وهي الوفاء مع الله ومع دين الله تعالي، وكذلك الوفاء بين الناس، والوفاء بالعقود وهي عقود البيع والشراء وعقود الشركات وعقود النكاح ونحوها تلك العقود وغيرها من العقود المباحة ويقول فيها الله سبحانه وتعالي آمرا ” يا ايها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ” ولكن ما هو حال الناس اليوم مع الوفاء بالعقود؟ فإذا أردنا أن نعرف ذلك فلننظر إلى القضايا في المحاكم والجهات التنفيذية كالحقوق المدنية ونحوها.
فنجد أن أغلب القضايا نشأت بسبب عدم الوفاء بالعقود، إما من طرف واحد وإما من الطرفين وهناك فئة من الناس تبيت النية على نقض العقد وعدم الوفاء به وهم في لحظات توقيع العقد، فهناك المستأجر الذي يبيت النية بعدم الوفاء بالعقد للمؤجر، وهناك الزوج الذي يبيت النية بعدم الوفاء لزوجته بشروط العقد وهكذا، ويحذرنا من مثل هذه السلوكيات خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه بقوله ” أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتي يدعها، إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ” فهل يعي أولئك الذين لا يوفون بعقودهم أن ذلك خصلة من خصال النفاق ؟ ولكن ليس كل من لم يفي بالعقود يدخل في ذلك، فإن هناك من لم يفي بالعقد لظرف قاهر عجز معه عن الوفاء بالعقد كفقر أو إفلاس.
فهذا يختلف عمن يتعمد عدم الوفاء بالعقد بل حبب الله تعالي في إعذاره ومساعدته في مثل تلك الظروف ومثال ذلك قوله تعالى في آية الدين ” وإن كان ذو عسرة فنظرة إلي ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون” ومن صور الوفاء التي بدأ يلمس الفرد ضعف الوفاء بها هو الوفاء للوالدين الأب والأم اللذان أنفقا حياتهما ومالهما وجهدهما في سبيل إسعاد أولادهم فما النتيجة ؟ يكونان محبوبان ماداما بصحة وعافية يذهبان ويأتيان وينفقان أما إذا كبرا أو افتقرا واحتاجا أو مرضا فيصبحان عبئا ثقيلا يحرص والعياذ بالله كل ولد أن يتنصل من خدمتهم ويدفعهم إلى الآخر، أو قد يكون مصيرهم في النهاية إلى دور الرعاية الاجتماعية، وما علم أولئك الأولاد بأن هذا دين سيسددونه في حياتهم فما فعلوه بآبائهم سيفعله غدا بهم أبناؤهم.
وليس ذلك نهاية المطاف فما ينتظرهم في الآخرة اكبر أما سمعوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ” رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف قيل من يا رسول الله قال من أدرك أبوية عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة” وكما أن من الوفاء هو الوفاء بين الإخوان والأخوات الذين رضعوا من ثدي واحد وأكلوا من صحن واحد وشربوا من كأس واحد وتربوا في بيت واحد تجدهم حينما كبروا فرقت بينهم الحياة ونسوا الوفاء، فكم من أخت تشكو فتقول قدر الله علي الطلاق وقد مات والدي وألجأتني الحاجة إلى إخوتي فإذا بهم يشترطون على شروطا قاسية يطلبون مني أن أتخلى عن أولادي لرجل غير مؤهل أن يعتني بهم، بل قد يقول الواحد منهم بالحرف الواحد نحن نقوم بأمرك ولكن لا نقوم بأمر أولاد الناس، فعجبا لهم هل يستطيعون هم أن يتخلوا عن أبنائهم.
فكيف يطالبون الأم ذات القلب الرقيق أن ترمي بأولادها للشارع، وفي المقابل هناك أخوات أحسن إليهن إخوانهن لكنهن لم يقدرن ذلك والعياذ بالله بل منهن من أدخلت الرجل في مشكلات مع زوجته بسبب حقدها لماذا تعيش هذه المرأة سعيدة مع أخي وأنا مطلقة أو أرملة أو لا أجد زوجا أعيش معه وإذا بها تحتقر كلما يقدمه لها أخوها فإذا اشترى لها سلعة قالت أنت تشتري لي أسوء السلع وتشتري لزوجتك أغلاها، وإذا اشترى لها طعاما قالت أنت تشتري لي أسوأ الطعام وتشتري لزوجتك أفضله وهكذا فأقول لها احمدي الله الذي يسر لكي من يقوم على أمرك وكوني قنوعة شاكرة وفية لهذا الأخ الذي أحسن إليك، فقال الله عز وجل ” هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”.
حال الناس اليوم مع الوفاء