متحجرة المشاعر
متحجرة المشاعر
بقلم الكاتبة : سلوى عبد الكريم
متحجرة المشاعر
كان وصفه لها ذات ليلة
وهو يُلوح لها برغبته فى الفراق لم تندهش فهو فارق قبل أن يفارق فارق جزءً وبعضاً وكلاً ، فارق قلباً وروحاً وجسداً
لكنها سألته فى هدوء و ثبات و لما ؟
فقذف إلى مسامعها ذاك الوصف القاسي فابتسمت ساخرةً ونظرت إليه بغرابة لتكمل كلماتها ، لا أظن أن توجد أمرأةً متحجرة فكل أمرأةً منا تنتمي وتتصبغ بصبغة من يتزوجها
فمن تتزوج سماءً تصير نجوماً تتلألئ فيها أو تصير أحدى غيماتها الممطرة التى تنبت الزرع والشجر فتنبت الفرح الأخضر
ومن تتزوج بحرا تصبح موجه تتمايل على سطحه وترسم على شواطئه حروف الحب
ومن تتزوج بستاناً تصبح ورودا يستنشق عبيرها صباحاً وعشياً
ومن تتزوج ليلاً حالكاً تصير عاتمةً لا ضي بها ولا نور
سألها ومن أي صنفٍ أنتسب؟
قالت بإشمئزاز ودهشه !!
غريب أنك تجهل بأنك كالأرض الجافه عديمة الثمر لن تجود يوماً أشقيتني فيها وحولتني إلى حفنه تراب يبعثره الهواء هنا وهناك والأغرب هو أنك تبحث عن السراب في خريفك المتساقط لا فى ربيعك المزهر
قال لها بتعجب وإرتباك وأين السراب !؟
انهمرت ضحكاتها ساخرةً مقهورة
قد أصبحت فى الخريف من عمرك الذى تساقطت أوراقه لا فى ربيعك المزهر الذى أضنيته متعللا بالإنشغال وقد اقترب الرحيل لا القدوم والذهاب لا العودة فماذا تفعل معها ؟؟!!
هل ستُدفك عليها مدخرات بخلك عليا بوقتك واهتمامك ومشاعرك؟!!
هل هى في عُمر الزهور كما تزوجتني ورده تقطفها ثمّ تتركها تزبل وحيده ؟!!
هل جميله ونديه مثلي قبل أن يطيح بجمالي جدب مشاعرك وإهمالك ؟!!
هل ستمنحها الهداية وتتذكر المناسبات وتأتيها مهرولاً كما كنت افعل أنا معك ولن أزهد يوما فى إسعادك؟! أم ستنسى وتظل بإنشغالك كما كنت معي؟!!
هل ستتحمل عبوث وجهك وغضبك الغير مبرر وسخافات المحيطين بك كرامة لك دون أكتراثك ؟أم ستتعلم معها معنى الخصوصية الواجبة التي لم أشعر بها يوماً فى محيطك؟!
هل ستنفق عليها رصيد حسابك الذي جمعته من سنين عمري بإهتمامي بك ورعايتك وخدمتك والسهر على قضاء شؤنك ودعائي لك دوما أن يرزقك الله بالخير والبركة ولم اثقل عليك يوماً بما لا تطيق أو أقل مما تطيق؟!!
هل ستبكيها قهراً وحسرة سنوات كثيرة ومع كل دمعه تتلاشى الذكريات والعشرة والحب حتى يغلق قلبها كما اغلقت قلبي أم سينهمر عليها مدخرات شُحك من الضحكات والأنس والملاطفة التى حرمتني أياها ؟!!
هل ستتودد إليها كل ليلة بالثمر والسهر أم ستسقيها الهجر والحرمان من الأنس بك كما فعلت معي ولم تطأ قدميك البيت إلا للطعام ومتأخراً للمبيت ؟!!
هل ستجوب بها البلدان والإزدحام بين الناس لتقتبص منها شباباً قمت بدفنه مبكرا معي فى مقبرة أعمالك وإنشغالك الدائم وطالما كنت استجدي منك بعض الوقت وأتسول بعض المشاعر لنحيا ولم يروق لك حتى ذبلت وماتت وتحجرت مشاعري كما أدعيت ؟!!
قال لم أجادلك ولكنى سأتغير معها
هزت رأسها أسفةً وهى تنظر إليه بتحدي وقالت الأرض البور أن جادت بالشجر لن تجود بالثمر ولن يقدر على إرتحال الصحراء إلا الجمال!
هل حبيبتك عاقلة حكيمة متزنة أم هوجاء متقلبة المزاج سرعان ما تنفر منك وتريد اللحاق بمن يشبهها سننا وشباباً وتدعك بعد استنزاف رصيد أموالك الذي أخذت شبابي وصحتي وعمرى فى جمعه ؟!!
لم أحاسبك أنا بل سأترك حسابك على الله أما أنا فقد نجوت منك
تركها وأنصرف وهو حائر غائر في أمره من واقع كلماتها يُطيح به خيال التمني والغفلة فى تجديد شبابه الذى رحل فى دوامة أعماله ثم عاد إليها تملئه البصيرة والرجاء أن يعود إليها وتسامحه
وضعت يدها على فمه وقالت الِلنّاجي من الموت أن يعود مرةً أخرى ؟!!
أذهب إلى حيث شيئت فإنك فارقت قبل أن تفارق ..