عبور الكرامة… ملحمة أكتوبر التي غيّرت وجه الشرق الأوسط
بقلم – محمد عربي نصّار
مقدمة تاريخية: لحظة ميلاد الكبرياء
في السادس من أكتوبر عام 1973، الموافق للعاشر من رمضان 1393 هـ، دوّى صوت الحق في سماء الشرق الأوسط معلنًا ميلاد فجر جديد للأمة العربية بعد سنوات من الانكسار واليأس.
كانت المنطقة تعيش على وقع آثار هزيمة 1967، حين غُزيت الأرض واهتزت الكرامة، لكن خلف الصمت كانت هناك أمة تُعيد ترتيب صفوفها بصبر الرجال وإصرار الأبطال.
جاءت حرب أكتوبر المجيدة لتكسر حاجز المستحيل، وتثبت أن الإرادة المصرية قادرة على صناعة التاريخ مهما تكاثرت التحديات. لم تكن معركة عسكرية فحسب، بل كانت معركة وجود، معركة كرامة وهوية ووطن.
العبور العظيم: تخطيط من نور وإرادة من نار
في تمام الثانية ظهرًا، انطلقت صافرة العبور، وبدأت القوات المصرية تنفيذ خطة “بدر” التي أذهلت العالم.
خلال ست ساعات فقط، عبر أكثر من 220 ألف جندي قناة السويس في تناغم مدهش بين القوات الجوية والمدفعية والمشاة، لتحطم أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”.
انهالت قذائف المدفعية المصرية على خط بارليف كالرعد، ثم تبعتها موجات المقاتلين ترفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة، في مشهد سيظل محفورًا في ذاكرة الإنسانية.
كانت المعركة تجسيدًا لمعنى الإيمان بالوطن والتحدي في وجه المستحيل.
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
من رحم المعركة بزغت أسماء خالدة في سجل المجد، منهم:
اللواء عبد المنعم واصل – قائد الجيش الثالث الميداني.
اللواء سعد الدين الشاذلي – رئيس الأركان وصاحب خطة العبور العبقرية.
اللواء محمد عبد الغني الجمسي – العقل الاستراتيجي لإدارة العمليات.
اللواء محمد علي فهمي – قائد الدفاع الجوي وباني حائط الصواريخ.
اللواء فؤاد نصار – رئيس المخابرات الحربية والاستطلاع، أحد العقول الذهبية في إعداد المسرح الاستراتيجي للمعركة.
اللواء محمد عبد المنعم خليل – قائد الجيش الثاني الميداني.
اللواء محمد صادق – مؤسس قواعد المعلومات المخابراتية قبل الحرب.
اللواء أركان حرب إبراهيم فؤاد نصّار… الرجل الذي قرأ العدو قبل أن يتحرك
في قلب هذه الملحمة، كان هناك رجل يقف في الظل ينسج بخيوط الدقة والذكاء شبكة المعلومات التي غيّرت مجرى الحرب:
إنه اللواء أركان حرب إبراهيم فؤاد نصّار، رئيس جهاز المخابرات الحربية والاستطلاع في فترة الإعداد للمعركة.
بخبرته الواسعة ورؤيته الاستراتيجية، لعب دورًا محوريًا في كشف خطط العدو ومواقعه الدفاعية، وتوفير أدق المعلومات عن طبيعة الأرض وتحركات القوات الإسرائيلية.
كان يؤمن أن الحرب ليست فقط بالسلاح، بل بالمعلومة التي تُوجّه السلاح في الوقت المناسب.
تحت قيادته، استطاعت المخابرات الحربية أن تُخفي النوايا المصرية عن أعين أجهزة المخابرات الغربية والإسرائيلية، حتى جاء السادس من أكتوبر مفاجأة مدوّية للعالم بأسره.
لقد كان جدي الكبير – اللواء أركان حرب إبراهيم فؤاد نصّار – أحد أعمدة النصر الذين عملوا بصمت وإخلاص في الكواليس، مؤمنًا بأن خدمة الوطن لا تحتاج إلى ضوء الإعلام، بل إلى ضوء الضمير.
تأثير النصر على المنطقة والعالم
لم يكن نصر أكتوبر حدثًا عسكريًا فحسب، بل زلزالًا استراتيجيًا أعاد رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط والعالم.
أعادت مصر هيبتها كقلب الأمة، واستعادت الأمة العربية ثقتها بنفسها بعد سنوات من الإحباط.
تغيّرت المعادلات السياسية والاقتصادية؛ ارتفعت أسعار النفط، وظهرت قوى إقليمية جديدة، وبدأت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مراجعة سياساتهما تجاه المنطقة.
كان هذا النصر هو أول انتصار عربي حقيقي على الكيان الصهيوني منذ تأسيسه، وأثبت أن القوة ليست في السلاح وحده، بل في الإيمان والعقيدة والوحدة.
من الحرب إلى السلام… مصر تقود المنطقة
بعد أن سُطرت صفحات البطولة بالدم، قاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات مرحلة جديدة من التاريخ المصري، إذ انتقل من ميدان القتال إلى ميدان السلام، مؤمنًا أن النصر الحقيقي هو استعادة الأرض وبناء الإنسان.
فتحت مصر الباب أمام مفاوضات الكرامة، واستعادت أرضها كاملة، لتثبت أن القوة تصنع السلام، وأن من يمتلك الشجاعة في الحرب يمتلك الحكمة في السياسة.
خاتمة: أكتوبر… عهد البطولة والبصيرة
إن حرب أكتوبر لم تكن مجرد معركة استرداد للأرض، بل كانت ولادة جديدة للأمة المصرية، أظهرت معدن رجالها وصلابة جيشها وإيمان قادتها.
وفي مقدمة هؤلاء يسطع اسم الرئيس محمد أنور السادات، ذلك المنوفي البطل، ابن قرية ميت أبو الكوم، الذي حمل على عاتقه مسؤولية الأمة في أصعب لحظاتها، فقادها من ظلام الهزيمة إلى فجر النصر.
كان السادات مؤمنًا بأن المعركة لا تُكسب بالقوة وحدها، بل بالعقيدة والإرادة والإيمان بالله والوطن.
خطّط في صمت، وضرب في دقة، وأدهش العالم بقرار العبور الذي غيّر موازين التاريخ.
لم يكن رئيسًا فقط، بل كان قائدًا ملهِمًا ورجل دولة بحجم أمة، جمع بين الجرأة في القرار والحكمة في الرؤية، فاستحق أن يُلقّب بـ”بطل الحرب والسلام”.
إن ذكرى أكتوبر ستظل خالدة ما بقيت مصر، وستبقى أسماء أبطالها – من الميدان إلى غرف القيادة – منقوشة على جدران المجد.
وسيظل التاريخ يذكر أن من بينهم رجلًا من المنوفية، وقف شامخًا كأهرامات وطنه، ليقول للعالم كله: هنا مصر… لا تنكسر، ولا تُهزم، ولا تُنسى.
عبور الكرامة… ملحمة أكتوبر التي غيّرت وجه الشرق الأوس