
التقوى: جوهر الفضائل وميزان الأعمال
بقلم:الدكتورة عبير محمود خلف
التقوى كلمة جامعة تحمل في طياتها معانٍ عميقة تتجاوز مجرد الامتثال الظاهري للأوامر والنواهي. إنها حالة قلبية وروحية تعكس الخوف من الله ومراقبته في السر والعلن، وتدفع الإنسان إلى فعل الخير واجتناب الشر ابتغاءً لمرضاته. ليست التقوى حكرًا على فئة معينة، بل هي دعوة لكل إنسان يسعى إلى حياة كريمة وسعيدة في الدنيا والآخرة.
مفهوم التقوى
لغويًا، تأتي التقوى من الوقاية، أي حماية النفس من كل ما يؤذيها. وشرعًا، تعني التقوى أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه. وقد فسرها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله: “التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.” هذا التعريف الموجز الشامل يلخص أركان التقوى الأساسية:
* الخوف من الجليل: ليس خوفًا سلبيًا مشلولًا، بل خوفًا مقرونًا بالرجاء والمحبة، يدفع إلى تعظيم الله والخشية من مخالفة أمره.
* العمل بالتنزيل: أي تطبيق ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من أحكام وآداب وتوجيهات.
* القناعة بالقليل: الرضا بما قسم الله، وعدم التكالب على الدنيا، واليقين بأن الرزق بيد الله وحده.
* الاستعداد ليوم الرحيل: الإيمان بالآخرة والاستعداد لها بالعمل الصالح، فالدنيا دار ممر وليست دار مقر.
ثمرات التقوى في الدنيا والآخرة
التقوى ليست مجرد شعارات تُرفع، بل هي منهج حياة يؤتي ثماره يانعة في الدنيا والآخرة:
* في الدنيا:
* مخرج من كل ضيق ورزق من حيث لا يحتسب: يقول تعالى: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.” (الطلاق: 2-3).
* تيسير الأمور: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا.” (الطلاق: 4).
* صلاح الحال وهداية البال: التقوى تهدي الإنسان إلى الحق وتُثبت قلبه على الصراط المستقيم.
* البركة في العمر والمال والذرية: فالتقوى أساس صلاح الفرد والمجتمع.
* المحبة في قلوب الناس: المتقي محبوب من الله ومن خلقه لطيب معشره وصدق نيته.
* في الآخرة:
* الفوز بالجنة والنجاة من النار: “إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا.” (النبأ: 31).
* غفران الذنوب وتكفير السيئات: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا.” (الطلاق: 5).
* القبول عند الله: “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.” (المائدة: 27).
* الرفعة والكرامة: المتقون هم أكرم الناس عند الله: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.” (الحجرات: 13).
سبل تحقيق التقوى
التقوى ليست أمرًا يُكتسب بين عشية وضحاها، بل هي رحلة مستمرة تتطلب جهدًا ومجاهدة للنفس:
* تلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه: فهو نور يهدي إلى الحق ويزرع الخشية في القلوب.
* الإكثار من ذكر الله: فبذكر الله تطمئن القلوب وتستقيم النفوس.
* المحافظة على الفرائض والسنن: الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، وغيرها من العبادات التي تقوي الصلة بالله.
* التفكر في خلق الله وآياته الكونية: مما يزيد اليقين بقدرة الله وعظمته.
* صحبة الصالحين ومجالستهم: فإنهم عون على الطاعة ومذكرون بالله.
* محاسبة النفس ومراقبتها: قبل فعل الذنب وبعده، والتوبة النصوح عند الوقوع فيه.
* البعد عن المحرمات والشبهات: فالتقوى تقتضي الورع واجتناب كل ما يُغضب الله.
في الختام، التقوى هي جوهر الدين وخلاصة تعاليمه. إنها النور الذي يضيء دروب الحياة، والزاد الذي يعين على تحمل المشاق، والميزان الذي توزن به الأعمال. فلنجعل التقوى شعارًا لحياتنا، ونهجًا نسير عليه، لنسعد في الدنيا ونفوز في الآخرة.
ما هي الجوانب الأخرى للتقوى التي تود أن تعرف عنها أكثر؟