الرئيسيةاخبارجيل زد مرايا الضوء والظل
اخبار

جيل زد مرايا الضوء والظل

جيل زد مرايا الضوء والظل

جيل زد مرايا الضوء والظل

 

كتب د. فرج احمد فرج

باحث انثروبولوجيا

الظواهر التي نراها في هذا الجيل ليست عبثية بل هي نتاج زمنهم وثقافاتهم ومعطيات هذا الزمان وهم كما يقال جأوا بالاخر وزد ليست تسمية عبثية بل هو اخر حرف في الابجدية الانجليزية وقد سبقها اجيال اخري حملت احرف سابقة ،

ان مانراه من اختلاف الاذواق والمزاج والانواع ورفض كل ماهو ثابت وسابق ودعواهم المستمرة للتغير والتجديد تحت مسمي التنوير .

والمظاهرات الصاخبة في كل عواصم العالم والتصدي للقهر والظلم ورفض الهيمنة والتعبير عن المظالم حتي علي اعتي السلطات السياسية قدما وموروثة تحت دعاوي القدسية الدينية ، كل ذلك ضرب به في الحائط

وخرجوا للتغير في ثورات عرفت بالربيع واخري الخريف والان الشتوية لاقتلاع اوراق الشجر الجافة واسقاطها لتعتطي الفرصة لبزوغ اوراق جديدة ربما تحمل لونا وثمار اكثر جدية وافادة لمتطلبات ذلك الزمان ومواكبة متغيراته المتلاحقة من البرمجيات والذكاء الاصطناعي وخلق جيل جديد بعيدا عن زذ – والدلوج لاجيال الفا وبيتا وهكذا .

جيل زد مرايا الضوء والظل

على ضفّة هذا الزمن المتسارع، حيث لا يعود شيء إلى الوراء، وُلد جيل لا يشبه ما قبله، جيل لا يكتفي بأن يعيش الواقع، بل يصنعه ويعيد تشكيله كما يريد. في زمنٍ تاهت فيه التعاريف، وذابت الفواصل بين الواقعي والافتراضي، انبعث جيل يُمسك بالعالم كله في راحة يده، لكنه لا يزال يبحث عن ذاته. هذا الجيل، الذي نطلق عليه اسم “جيل زد”، جاء اسمه ضمن تسلسل أبجدي عميق الدلالة، يبدأ بجيل “إكس” الذي عبَّر عن فترة من التغير والتمرد، ثم “جيل الألفية” أو “جيل واي”، ذلك الجيل الذي شهد ولادة الإنترنت وانتشار التكنولوجيا، ومن ثم جاء “جيل زد” ليُكمّل المشهد، جيل يحمل الحروف الأخيرة من الأبجدية، وكأنه خاتمة زمن، وبداية لعالم جديد بأفكار وأسلوب حياة مختلفين.

جيل زد، إذن، ليس مجرد تسمية عشوائية، بل هو رمز لحقبة جديدة، وللأمل والقلق معًا، جيل وُلد في قلب الثورة الرقمية، متشابكًا مع شاشات الهواتف، متطلّعًا لعالم سريع التغير، لا يقف عند حدود المألوف، ولا يتوقف عند تعريفات الماضي. هو جيل يحمل بين يديه العالم بأسره، لكنه يبحث عن مكان خاص به في هذا العالم المتسارع، مكان يعبّر فيه عن نفسه، ويصوغ فيه حقيقته.

جيل زد مرايا الضوء والظل

في زمن لم تعد فيه الأشياء تُولد من رحم الطبيعة، بل من صدى النقرات وضوء الشاشات، بزغ جيل جديد… لا يشبه مَن سبقوه، ولا يعبأ كثيرًا بما يُقال عنه. جيل جاء إلى الدنيا ومعه ذاكرة رقمية قبل أن يتعلّم كتابة اسمه. لا يعرف العالم من نوافذه، بل من خلف الزجاج البارد لهاتف ينام بجانبه أكثر مما ينام الحلم.

جيل زد، أولئك الذين تدفّقوا إلى الوجود بين منتصف التسعينات وبدايات الألفية الثانية، لم يتربّوا على دفء الرسائل الورقية، ولا انتظروا ظهور البرامج على التلفاز. لم يعيشوا عصور الانقطاع، ولم يشعروا بأن الوقت طويل بما يكفي لانتظار شيء. كل شيء عندهم فوري، كل شيء يحدث الآن، أو لا يحدث أبدًا. هم أبناء السرعة، أبناء التحديثات المستمرة، أبناء العالم الذي لا يتوقّف عن الكلام.

ليسوا ضعفاء كما يظن البعض، لكنهم ليسوا صاخبين كما كان من قبلهم. إنهم يمشون بهدوء في أرضٍ مضطربة، يُبحرون في محيطٍ من المعلومات، يحملون في رؤوسهم خريطة للعالم، وفي قلوبهم قلقًا لا يُفصحون عنه. يبدون واثقين، ساخرين، حادّي الذكاء، لكن خلف تلك الأقنعة الرقمية، هناك شيء هش، ناعم، يتكسّر كل ليلة دون ضجيج. تراهم يبتسمون على شاشاتهم، يرسمون “الإيموجي” المناسب في اللحظة المناسبة، ولكن من يراهم حين تطفأ الشاشة؟

جيل زد مرايا الضوء والظل

لقد وُلدوا في عالم مفتوح على مصراعيه، حيث الحدود فكرة قديمة، والجنسية لا تُقيّد الحلم. يستطيعون أن يتعلّموا أي شيء من أي مكان، أن يتحدثوا إلى أي أحد في أي وقت. الحرية عندهم ليست مطلبًا، بل واقعًا. لكن، أي ثمن دفعوه مقابل تلك الحرية؟ إنهم يعرفون الكثير، لكنهم لا يجدون الوقت ليشعروا بشيء. يرون مآسي العالم تمر أمام أعينهم كما تمر القصص على شريط فيديو: سريعًا، متكررًا، حتى يبهت الألم ويصبح شيئًا عاديًا. لقد أخذوا من الشاشة القدرة على الوصول، وأخذت منهم القدرة على البكاء.

جيل لا يرى العالم كما نراه، لأنه لم يتلقَّه كما تلقّيناه. لم تروه القصص من أفواه الجدّات، بل من مقاطع الفيديو. لم يُخبّئ أسراره في دفاتر خاصة، بل نشرها أمام آلاف الغرباء، منتظرًا “إعجابًا” لا يأتي أحيانًا، أو يأتي لكنه لا يُشبع. يعيشون في زحمة التواصل، لكن كم منهم يشعر بأنه مسموع؟ يمسكون بأجهزة ذكية، لكن من يُمسك بأيديهم حين تتكسّر قلوبهم؟ يمشون على سطوح متغيّرة، لا أرض ثابتة تحت أقدامهم، وكل خطوة تُحسب بمقاييس لا يعرفون من وضعها.

جيل زد مرايا الضوء والظل

هم جيل يبحث عن المعنى، لكنه لا يريده ملفوفًا بعبارات دينية قديمة أو شعارات وطنية محفوظة. يريد معنى يُحس، لا يُحفظ. معنى يمشي معه في الشارع، لا يُعلّق على الجدران. لذا تراهم يُجرّبون كل شيء: يتنقّلون بين الأفكار، يُعيدون تعريف الجمال والنجاح والحب، يرفضون النمط، يكسرون الصورة الموروثة، لا لأنهم ناكرون، بل لأنهم عطاشى إلى شيء أكثر صدقًا.

هم متمردون رافضون لكل الصور النمطية التي حاولت الثقافة أن تفرضها عليهم، ولم يقتصر رفضهم على القوالب الاجتماعية فقط، بل تجاوزها ليصل إلى السلطة السياسية والرموز التقليدية التي تمثلها أسماء الأمير، الملك، والرئيس. في عالمهم، لا تُقبل السلطة كأمر مقدّس، بل تُسائل وتُفكك. جيل زد يرفض أن يخضع لسلطة فقط لأنها موروثة أو مُعتمدة تقليديًا، بل يطالب بالشفافية والمشاركة والصدق.

وفي فنونهم، عبّروا عن ذلك كله. في موسيقاهم وأغانيهم وفنونهم الرقمية والمرئية، حملوا رسائل تمرّد، وأفكارًا تعيد تعريف الإنسان في عصر ما بعد الحداثة. الفن عندهم ليس ترفًا، بل سلاحًا. ليس امتدادًا لما كان، بل قطيعة جريئة معه. فيه يعيدون خلق أنفسهم، وفيه يقولون ما لا يستطيعون قوله وجهًا لوجه.

أما الدين، فلم يسلم هو الآخر من إعادة التفكير. لم يعد حزمة مغلقة من التعاليم تُتلقّى بالتسليم، بل مساحة للنقاش، وميدانًا للتأمل. جيل يوصف بأنه تنويري، لا يكتفي بالرواية المقدسة، بل يُعيد قراءتها، يرفض ميثولوجيا الأنبياء والعقائد إذا بدت له بلا منطق أو معنى، لا رغبةً في الهدم، بل بحثًا عن يقين صادق.

امتد هذا الشك إلى التاريخ والفلسفة. لا يُصدّقون بسهولة روايات المفكرين السابقين ولا أحداث التاريخ كما رُويت لهم في الكتب. يعيدون النظر في كل شيء: من ثورات قيل إنها عظيمة، إلى مفكرين صُنّفوا على أنهم عباقرة. لا يرفضونهم رفضًا أعمى، بل يُمعنون النظر، ويطلبون دليلًا. هم أبناء السؤال، لا أبناء التسليم.

ظنّ البعض أن هذا تمرّد، وربما هو كذلك، لكن أي تمرّد؟ إنه تمرّد الجيل الذي رأى كل شيء مبكرًا، ولم يُمهّد له أحد الطريق. تمرّد الذي لم يعد يؤمن بالوعود الكبيرة، ولا بالحقيقة المطلقة. تمرّد مَن تعب من الكذب الجميل، وفضّل القبح الصادق، مهما كانت كلفته.

لكن جيل زد، بكل ما فيه من أسئلة وتمرد ووعي، ليس خاتمة الحكاية، بل بدايتها الجريئة. فما إن رفع صوته وخلخل الأرض التي تقف عليها المسلّمات، حتى جاء من بعده جيل يفتح عينيه على عالم مختلف كليًّا. إنه جيل “ألفا”، أطفال اليوم الذين لم يعرفوا يومًا بلا إنترنت، ولم يعيشوا لحظة خارج ظلّ الذكاء الاصطناعي.

جيلٌ تعلّم من المساعدات الذكية قبل أن يتعلّم من المعلّم، وتعلّق بأنظمة الواقع الممتد قبل أن يلمس أرض الواقع. كل شيء لديه متصل، محسوب، مبرمج،. قد لا يعرف رائحة الورق، لكنه يعرف كيف يسأل خوارزمية عن معنى الوجود. جيل لن يدهشه الروبوت، لأنه صديقه من المهد، ولن يرهبه الذكاء الاصطناعي، لأنه كبر في حضنه.

ثم يلوح الأفق باسم جديد: جيل بيتا. لم يُولد بعد، لكنه يتشكّل في رحم التطور. جيل لن يُدهش من استعمار القمر، ولااختراق السموات

جيل لن يُدهش من استعمار العوالم الاخري، ولا من بناء مدنٍ على سطح المريخ، لأنه ببساطة لن يرى تلك الأحلام كمستقبل، بل كواقع طبيعي. جيل سيُولد في عالم تلاشت فيه الحدود بين الأرض والفضاء، بين الإنسان والآلة، بين الفكر والخوارزمية. قد لا يفهم معنى الخوف من الذكاء الاصطناعي، لأنه سيتربّى عليه، وسيشاركه القرار والاختيار وربما الحلم أيضًا.

جيل بيتا، كما يُتوقّع له، لن يكتفي بأن يقرأ عن الحياة، بل سيُعيد هندستها. لن يسير على خُطى أسلافه، بل سيبتكر أرضًا جديدة تحت أقدامه. ستكون ذاكرته مرتبطة بسُحب البيانات، ومشاعره مترجمة في أنظمة رقمية، وقد لا تُفهم لغته القديمة إلا من خلال وسيط ذكي يشرحها للبشر.

ومع ذلك، سيبقى في داخله سؤال واحد: “من أنا؟” — وهو نفس السؤال الذي يردّده جيل زد الآن، لكن بلغةٍ مختلفة، وبأدوات تختلف. فكل جيل يأتي لا ليرفض ما قبله فقط، بل ليكمل النقص الذي أحسّ به، ويضع لمساته على جدار الزمن. وربما يُنظر يومًا إلى جيل زد على أنه الجيل الذي أدار المفتاح، الذي كسر الباب، الذي تجرّأ على السؤال. جيل لم يخَف من الظلام، بل مشى فيه حتى انبعث فيه الضوء.

الجيل الذي سكن الشاشة وهجر الورق، لم يكن جيل ضياع كما وصفه البعض، بل جيلُ ولادة جديدة.

جيل لا يُشبه أحدًا، لأنه لا يريد أن يُشبه أحدًا.

جيل اختار أن يرى العالم بعينيه لا بعين الماضي، أن يصوغ اللغة بطريقته، أن يؤمن بما يحسّه لا بما يُملى عليه.

وربما أخطأ في الطريق أحيانًا، وتاه في الزحام كثيرًا، لكنه لم يتوقف عن الحلم.

هو جيل علّمنا أن الحياة ليست في الورق ولا في الشاشة، بل في القلب الذي يجرؤ أن يسأل.

وفي كل سؤال منهم، كانت ثورة.

وفي كل صمت، كانت بداية.

وفي كل تمرد، كان ميلادًا جديدًا للمعنى.

اشكركم – واذكر انني من تفتق ذهنة لجيل بيتا القادم لربما 2050 وما بعده والله اعلم

جيل زد مرايا الضوء والظل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *