أفكار بصوت مرتفع
بقلم: زينب كاظم
من هم جالِدو مجتمعاتهم؟
سنسلط الضوء في هذا المقال على موضوع مستفزٍّ جدًا، وقد لاحظنا مرارًا نوعًا من البشر ممن ينشرون على منصّات التواصل الاجتماعي كل أنواع التهجم والأقوال التي تَجلِد المجتمعات وتنتقد الناس بكل جبروتٍ وصفاقة وجهٍ ووقاحة، بلا أي عطاءٍ منهم إلى ذلك المجتمع، وكأنما هم الأفضل عقلًا وفعلًا.
ولكن لو قلبوا الطاولة على أنفسهم لوجدوا أنهم هم من يستحقون الجلد والنقد.
نحن نستغرب من أولئك الذين اتخذوا من جلد مجتمعاتهم هواية، ومن التحقير من أوطانهم منهجًا، وكأنهم لم ينتموا يومًا إلى هذا التراب، ولم يتنفسوا من هوائه.
يتحدثون كثيرًا عن الجهل والتخلف، وينصّبون أنفسهم أوصياء على الوعي والتنوير، غير أنهم في حقيقة الأمر لم يقدّموا شيئًا يُذكر.
لم يُلقوا محاضرة تُنير فكرًا، ولا فتحوا صفحة عامة تُثري وعيًا، ولا ألّفوا كتابًا يُخلّد أثرًا.
كلامهم كثير، وأثرهم غائب، وصوتهم لا يتجاوز صدى الادّعاء.
من السهل أن تُدين وتنتقد وتحمّل الجميع مسؤولية الفشل،
لكنّ الأصعب أن تمدّ يدك لتُصلح، أو تُشارك في بناء، أو تُقدّم عملًا نافعًا يترك أثرًا طيبًا.
فالإصلاح لا يكون بالتقريع، ولا التغيير بالضجيج، بل بالعمل الهادئ، والإيمان العميق، والإخلاص في العطاء.
إن المجتمع لا يرتقي بالسخرية منه، بل بمن يؤمن به، ويخدمه، ويزرع فيه أملًا جديدًا كل يوم.
فمن أراد أن يُصلح، فليبدأ بنفسه،
ومن أراد أن ينهض بغيره، فليُثبت أولًا أنه نهض بنفسه.
ونحن كذلك نتعجب من الذين يجلدون مجتمعاتهم صباحًا ومساءً، وكأنهم من كوكبٍ آخر لا تربطهم به أي جذورٍ ولا مشاعرَ انتماء.
يتحدثون كثيرًا عن “تخلّف الناس” و”جهل المجتمع”، لكنهم لم يقدّموا يومًا فكرة تُنير، أو كلمة تُصلح، أو فعلًا يُثمر.
لا محاضرة، لا صفحة توعوية، لا مقالة بنّاءة، لا كتاب يضيف شيئًا للوعي العام.
مجرد ضجيجٍ ولومٍ واتهاماتٍ تُقال من أبراجٍ زجاجيةٍ لا تُرى فيها سوى الأنا المنتفخة.
من السهل جدًا أن تُدين وتنتقد وتضع اللوم على الجميع،
لكن الأصعب أن تكون جزءًا من الحل، أن تزرع وعيًا، أو تصنع أثرًا، أو تُعلّم حرفًا.
المجتمع لا يتغيّر بالشتائم، ولا بالمنشورات المسمومة، بل يتغيّر حين ينهض كلّ فردٍ بمسؤوليته،
وحين يتحوّل الكلام إلى عمل، والنية إلى عطاء، والنقد إلى بناء.
فمن أراد الإصلاح، فليبدأ بنفسه،
وليقدّم ما يُفيد قبل أن يُدين،
فالعطاء أبلغ من الصراخ،
والعمل أصدق من الادّعاء.
نسأل الله أن يحفظ أوطاننا ومجتمعاتنا، ويكفينا شر هذا النوع من البشر السام، ويهدينا جميعًا لما فيه الصلاح.
أفكار بصوت مرتفع