جريمة منظّمة تسرق شباب مصر
✍️ بقلم حازم علي أدهم
في شوارع مصر ظهر وحش هاديء يلتهم أحلام الشباب داخل قهاوي على شكل بلايستيشن كافيهات في الواجهة ترفيه وفي الخلف كازينوهات سرية هدفها الوحيد سحب آخر ما في جيوب المصريين وسلب كرامة العائلات وإشعال حروب أهلية داخل البيوت
الولاد يدخلون للضحك واللعب ويخرجون محطمين ومذلولين وبعضهم لا يعود إلى حياته السابقة أبدا اللعبة التي بدأت فرجة تحولت إلى شبكة جريمة منظمة هدفها الربح السريع على حساب النفس والكرامة والضمير
المتهمون هنا ليسوا مجهولين هم أصحاب المحلات الذين يتاجرون بأحلام الشباب هم شبكات التطبيقات التي تروج للمراهنة وهم المستخدمون الذين يتحولون من ضحية إلى شريك في الجريمة حين يختارون الرهان بدل العمل
الواقع صار واضح كل يوم كافيه جديد يفتح غرفا مغلقة لشباب ليست للمنافسة الرياضية بل للرهانات صفقات دفع مجهولة الهوية تحويلات سريعة عبر محافظ رقمية ونهاية واحدة هي الديون والخسارة والانهيار النفسي أو الجريمة
هنا نعلن الحقائق لا مزيد من المجاملة ولا تلطيف للكلام
هذا ليس ترفيها بل عصابة تعمل منظّمة
أصحاب المحلات يتقاضون نسبا من المراهنات أو يفرضون رسوما على كل جولة فيصبح الكافيه وكيلا لمجرمين التطبيقاصحاب التطبيقات هم شركاء لأنهم يوفرون البنية التحتية المالية لتسهيل السرقة ويجذبون الملايين باسم المكسب السهل والمستخدمون الذين يشاركون في الرهانات هم من يعزز المنظومة ويقوّيها
النتيجة خريطة خراب نتاجها أسر مدمرة بيوت مفجوعة شباب فقدوا مستقبلهم وفلوسهم وكرامتهم وقصص الانتحار والسرقات والضرب والقتل بسبب رهانات بسيطة صارت أمرا مألوفا في بلداننا
لنعد السبب خطوة خطوة لنفضح شبكة الجريمة
التكنولوجيا سمحت بتحويل المقامرة إلى نشاط يومي يمكن إخفاؤه على هواتف صغيرة ورقابة ضعيفة والتشريعات المتاحة ما زالت عاجزة عن اللحاق بسرعة التطبيقات والواجهات الجديدة أصحاب المقاهي استغلوا ذلك وفكروا في الربح الفوري فحولوا مكان الترفيه إلى سوق سوداء للرهان
الظروف الاقتصادية والبطالة جعلت الشباب فريسة سهلة يبحث عن ربح سريع ولو لمرة واحدة والكلام عن حظ ومهارة سرعان ما يتحول إلى إدمان لا علاج له بدون تدخل خارجي جدي
السكوت الاجتماعي والتسامح القاصر سمح للازمة أن تنمو وانتشرت ثقافة الخسارة المقبولة وكأن الخسارة مجرد درس في لعبة وهذا كذب قاتل لأن الخسارة هنا تعني بيت مهدور طفل حرم من مصروف أو تعليم أو صحة
ما الذي يجب فعله الآن وبصورة فورية
اولا مطالبة فورية بحظر التطبيقات التي تسهل المراهنات الإلكترونية داخل مصر وحجبها تقنيا والتنسيق مع شركات الاتصالات لتجميد الوصول لها وملاحقة أصحابها قضائيا دوليا ومحليا
ثانيا شن حملات تفتيش فورية وموسعة على كل كافيه بلايستيشن وكل غرفة مغلقة وكل مكان يشتبه في وجود مراهنات وإغلاق المحلات المخالفة ومصادرة الأجهزة وتوقيف أصحابها ومحاسبتهم طبق القانون
ثالثا تشديد العقوبات القانونية لتشمل السجن والغرامات الثقيلة ومصادرة الأموال التي جُمعت من المراهنات وتحويل هذه الأموال لتعويض الضحايا وبرامج علاج وتأهيل للمدمنين
رابعا إطلاق حملات توعية عاجلة على مستوى المدارس والجامعات والمساجد والكنائس ووسائل الإعلام ليعرف كل أب وأم الخطر الحقيقي ويمسكوا أولادهم قبل فوات الأوان
خامسا إنشاء خطوط ساخنة ومراكز علاجية نفسية واجتماعية ومدعومة من الدولة لاستقبال المتورطين وتقديم برامج سداد ديون وإعادة تأهيل قبل أن تتحول المسألة إلى ملف جنائي نهائي
سادسا دعوة للصحافة المستقلة للتحقيق والمطاردة الإعلامية لكل من يساهم في هذه المنظومة وفضح أسماء التطبيقات وأسماء المحلات وأسماء المروجين ليعرف الشعب من هم من سارقوا أحلامه
أي شخص يشارك في هذه الشبكة سواء كمنظم أو كمستفيد سيكون عرضة للملاحقة القانونية والاجتماعية لأن السكوت على الجريمة تواطؤ والاقتصار على القول إنها مشكلة شباب فقط جريمة أخرى بحق المجتمع
أم تبيع ذهبها لتسدد دين ابنها في لعبة افتراضية أب يتوسع في القروض ليغطي رهانات ابنه في نهاية المطاف يلحقه السجن طفل من أسرة مفككة بسبب رهانات بلايستيشن ينزلق إلى الجريمة ليحافظ على حياته شباب ينامون في شوارع لأن لعبة واحدة أخذت آخر مصروفهم
هذه ليست مبالغة هذه أمثلة متكررة على أرض الواقع وليست قلة معزولة بل نمط متكرر في محافظات متعددة
قفوا الآن لا تتركوا أولادكم فريسة للربح السريع أفحصوا تطبيقات أبنائكم راجعوا حساباتهم الالكترونية اسألوا عن أماكن لعبهم لا ترضوا بالتبريرات ولا بدرجات المخاطر الضعيفة واطلبوا من ممثليكم البرلمانيين أن يحملوا مبادرات لقوانين رادعة لا تتركوا الجريمة تختبئ في مسمى ترفيهي
هذا خطر وطني لا يمكن تجاوزه بخطاب أو وعود فقط مطلوب تنفيذ فوري لإجراءات تقنية وقانونية وميدانية وقرار رئاسي بتشكيل لجنة ضابطة تتضمن وزارات الداخلية والاتصالات والشباب والعدل والمالية لإغلاق هذا الملف بسرعة قبل أن نضيع أجيالا كاملة
كونوا رادعا إعلاميا لا سماسرة للربح السريع اكشفوا الأسماء والواجهات لا تكونوا نافذة ترويج لتطبيقات تقتل المجتمع بالبطء كل خبر تحقيق كل ملصق مسمى فضح يضع جدار حماية أمام جيل يحاول أن يبني مستقبله
لا نخاف من نشر الحقيقة الصادمة لأن الحقيقة هي التي تحرر لا نخشى أن نسمي الأمور بأسمائها لأن السماح بالستر اليوم يعنى تكرار الضحايا غدا لا بد أن نحول الشارع من ساحة للرهان إلى ميدان لإصلاح النفس والعمل والكرامة
هذا المقال نداء وصوت شارع ومطالبة بإنقاذ عاجل لأبنائنا فلا مساومة مع من يسرقون المستقبل ولا مهلة للمتواطئين ولا صبر على من يجعلون البلايستيشن أداة قتل ناعمة لمستقبل مصر
جريمة منظّمة تسرق شباب مصر


