ياسر جلال.. حين أساء إلى وطنه بلسانه قبل فعله
✍️ بقلم: محمود سعيد برغش
لم يكن أحد يتخيل أن يأتي يوم نسمع فيه من فنان مصري بحجم ياسر جلال كلمات تُسيء إلى وطنه دون أن يدرك فداحة ما قال.
فخلال تكريمه في مهرجان وهران بالجزائر، أطلق تصريحًا غريبًا قال فيه إن والده أخبره بأن “الجزائر أرسلت جنودًا صاعقة إلى مصر بعد نكسة 1967 لحماية المصريين”.
كلمات بدت للوهلة الأولى بريئة، لكنها في جوهرها تحمل إهانة صريحة لمصر وجيشها وتاريخها، لأن مصر — رغم الهزيمة — لم تكن يومًا بحاجة لمن يحميها على أرضها.
حين يقول ممثل مصري إن جيش دولة أخرى جاء ليحمي المصريين بعد النكسة، فهو بذلك يطمس تاريخًا من التضحيات، ويقلل من شأن جيش هو الأعظم في المنطقة، جيشٌ قدّم آلاف الشهداء دفاعًا عن الأرض والعِرض.
تصريح كهذا لا يمكن اعتباره “زلة لسان”، بل جهلًا فادحًا بالتاريخ، واستخفافًا بمعنى الوطنية.
فالوطن لا يُهان بكلمة، ولا يُختصر في نكتة عابرة، ولا يُمجد بعبارات عاطفية فارغة من الوعي.
ياسر جلال فنان موهوب دراميًا، لكن الموهبة لا تُكسب صاحبها ثقافة، ولا تضعه في مقام المثقفين أو المفكرين.
هو ممثل أصابه الحظ بأن يكون عضوًا في مجلس الشيوخ، لا لأنه صاحب فكر أو رؤية، بل لأن الشهرة فتحت له الأبواب.
ومنذ ذلك الحين، صار يتحدث كثيرًا، ويتدخل في ما لا يعرف، حتى بدا وكأنه يبحث عن الأضواء لا عن الحقيقة.
فهو يمدح هذا ويمجّد ذاك، ويكيل المديح دون تروٍ، حتى فقدت كلماته وزنها ومصداقيتها.
الجهل لا يُبرر، خاصة حين يصدر عن شخصية عامة. فتصريح ياسر جلال لا يمت للحقائق بصلة، ولا وجود لأي مصدر أو وثيقة تؤكد ما قاله.
نعم، الجزائر ساندت مصر سياسيًا وماديًا، وهذا موضع فخر للعروبة كلها، ولكن القول بأن قوات جزائرية نزلت شوارع القاهرة لحماية المصريين هو خيال محض.
فمتى كانت مصر تستجدي حماية من غيرها؟!
ومتى صار الوطن الذي علّم العالم معنى الشرف والكرامة بحاجة إلى من يحرسه بعد نكسة؟
الفنان حين يتحدث، يُحسب عليه كل حرف، لأنه يمثل وطنه أمام الملايين.
وليس من المقبول أن يتحول المنبر الثقافي إلى ساحة مجاملات ومبالغات، تُقال فيها كلمات بلا وعي أو مسؤولية.
من يتقلد منصبًا عامًا — كعضو في مجلس الشيوخ — عليه أن يُدرك أن كل كلمة قد تُساء ترجمتها، وقد تُستغل ضد بلده.
فكيف بفنانٍ يخطئ في التاريخ ويُهين وطنه وهو يبتسم أمام الكاميرات؟
يا ياسر جلال، الفن ليس شهرة فحسب، بل موقف.
والوطن لا يُكافأ بالكلمات المنمقة، بل بالصدق والانتماء.
فاحترامك لمصر لا يكون بالتطبيل للعروبة أو المجاملات، بل بأن تحترم تاريخها، وجيشها، وكرامتها.
ولأن الكلمة مسؤولية، فلتعلم أن ما قلته لم يكن شرفًا للعلاقات بين الشعوب، بل إساءةً غير محسوبة لوطنٍ علّمك معنى النجومية، وأعطاك اسمًا بين الناس.
فاحترم وطنك… قبل أن تتحدث باسمه.

