بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، نحمده تعالى حمد الشاكرين، ونشكره شكر الحامدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، حق قدره ومقداره العظيم، أما بعد اعلموا يرحمكم الله أن التقوى هي أحسن زاد يتزود به العباد، كما قال الله تعالى ” وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون يا أولي الألباب ” وقد ورد أن هذه الآية الكريمة نزلت في أهل اليمن الذين كانوا يخرجون إلى الحج ولا يتزودون للسفر، ويقولون نحن أضياف الله، أفلا يطعمنا؟ ثم يصيرون كلا على الناس يسألون الناس، فأمرهم الله عز وجل بالتزود لسفر الدنيا، ثم دلهم على أحسن من ذلك.
وهو التزود لسفر الدنيا والآخرة، وأهل التقوى هم أكرم الناس، كما قال الله عز وجل ” إن أكرمكم عند الله اتقاكم ” وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس؟ قال أتقاهم لله عز وجل، فهذا المقياس هو الذي قاس الله عز وجل به وقاس به رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس بالحسب ولا بالنسب ولا بكثرة المال ولا بالجاه ولا بالشهرة، وإنما التفاضل بتقوى الله عز وجل، فقد كان سلمان فارسيا، ولم يكن عربيا فضلا عن أن يكون قرشيا ومع ذلك رفعه الإسلام، وكان أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم عربيا قرشيا، ولقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب، وكان سلمان يفتخر بنسبته إلى الإسلام، ويقول أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم، وهذا أبو لهب قال الله عز وجل عنه ” تبت يدا أبي لهب وتب ما أغني عنه ماله وما كسب سيصلي نارا ذات لهب”
فهذا عم النبي صلى الله عليه وسلم بشر بالنار، وبشر بألا يدخل الإسلام، وبشر بالعذاب هو وامرأته، هذا وهو ما زال يتحرك على الأرض ويذهب ويجيء، إذن فالمقياس هو تقوى الله عز وجل، وكما تعلمون أن المجتمع يغالبنا على أبنائنا بمغرياته البراقة، ووسائله اللماعة لملء فراغهم، بما لا ينفع ولا يغني عنهم من الجد شيئا ولا يحبب إليهم العلم، ولا يبني لهم مستقبلا ولا يشدهم إلى عزائم الأمور، ومطامح ذوي الرشاد، وللأسف فإن أنظمة التعليم المستوردة ممسوخة لم تستطع أن تنشئ جيل الحداثة والتطور الموجود في بلاد المصدر، ولم تستطع أن تجعل التعليم في خدمة المجتمع، وليت القائمين على أمر التعليم أدركوا حاجات الطلبة النفسية والعلمية، ولكن الهدف يبدو أنه غير واضح في الأذهان، وأنه غائب عن الأعيان، أو مغيب عن الواقع دون حجة أو برهان.
ولو علموا الهدف، وتوضحت الغاية لسهلت عليهم الوسائل، عندها قدموا لهم ما ينفعهم وما يفيدهم، فكما تحرص على طعامهم وشرابهم وثيابهم ومسكنهم فاحرص على إعدادهم الإعداد الجيد المفروض عليك وتربيتهم الأخلاقية وتنشئتهم الإيمانية، واهتمامك هذا له زمن محدد، وإعداد الأبناء لا يكون طوال أعمارهم، بل له سن محددة، ألا وهي سن التكليف الشرعي، سن البلوغ، لأن الولد بعد هذا السن مسؤول عن نفسه شرعا، فإن ترك الصلاة حوسب، وإن ترك الزكاة عوقب، ولا ينفعه التجاؤه بأبيه أو أمه، حيث قال الله تعالى “يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه” فيا أيها المؤمنون، اتقوا الله جل وعلا واعملوا لدنياكم كأنكم تعيشون أبدا واعملوا لأخراكم كأنكم تموتون غدا، فلنقدم الآخرة على الدنيا فإنها الباقية، وتلك هي الفانية فما السعادة إلا بذلك جعلنا الله وإياكم من أهلها.

