رجل يسير في حياته وهو ينظر خلفه
بقلم/نشأت البسيوني
الحياة التي لم تعد كما كانت هناك لحظات تغير الإنسان دون أن تعلن عن نفسها لحظات لا تصنع ضجة ولا تترك علامة واضحة لكنها تعيد ترتيب الروح من الداخل بطريقة لا يفهمها أحد كنت أعيش قبل رحيلها كأن العالم بسيط ليس لأن الحياة كانت سهلة بل لأن وجودها كان يخفف عني كل شيء ثم جاء ذلك اليوم الذي انطفأت فيه وانطفأت معه أشياء كثيرة لم أشعر فقط بفقد الحبيبة بل
فقدت النسخة من نفسي التي كنت أعرفها لم أعد ذلك الرجل الذي يستطيع أن يضحك بسهولة أو يثق بسهولة أو يحب بلا خوف منذ رحيلها صار قلبي يعيش في وضع الحذر حذر من الفرح حذر من التعلق وحذر من الخسارة التي تأتي بلا موعد عندما ظهرت هي لم أكن مستعدا جاءت امرأة جديدة في توقيت لم أخطط له جاءت بصوت هادئ وسؤال بسيط واهتمام خفيف لم أقف أمامه طويلا
في البداية لكن شيئا ما فيها كان يربكني ربما لأنها تشبه الحياة حين تعود بعد غياب وربما لأنها اقتربت من مكان داخلي مليء بالرماد والبرد هي لم تخطئ ولم تتجاوز حدودي لكن قلبي لم يكن جاهزا لاستقبال دفء جديد كنت كمن خرج من معركة خاسرة ولا يزال ينزف تحت ملابسه كانت تسألني أحيانا لماذا أشعر أنك معي ولست معي ولا أجد جوابا لا يجرحها كيف أشرح لامرأة لم تخسر
أحدا أن روحي فقدت جزءا لا يعوض كيف أقول لها إن الحب عندي صار ثقيلا وإن الاقتراب مني يشبه السير على زجاج مكسور المقارنات التي لا أستطيع الهرب منها أنا لا أقارن لأني أنوي ولا أقارن لأني أبحث عن أفضلية المقارنة تحدث رغما عني كأن قلبي يخاف أن يخطئ الطريق مرة أخرى فيبحث عن علامات يعرفها هي تضحك فتتحرك في الخلفية ضحكة قديمة أعرفها أكثر مما أعرف
نفسي هي تقترب فتقترب ذاكرتي معها من أجل رحل لم يعد له زمن ولا جسد هي تخاف علي فأسمع صوتا آخر كان يخاف علي بطريقة لم تشبه أحدا هذا ليس عدلا وليس رحمة وليس قصدا إنه فقط شيء يحدث داخل القلب مثل التنفس لا تستطيع التحكم فيه مهما حاولت الحقيقة القاسية التي لا تقال بصوتٍ عال الحقيقة يا صديقي أنني أحبها نعم أحبها لكنني أحبها بقلب ناقص.هي تستحق
رجلا يأتي إليها بكله وأنا رجل لم يبق معه كله تركت الحياة جزءا مني هناك عند باب أُغلق يوما على رحيل قاس أحيانا أشعر أنني أظلمها وأحيانا أشعر أنني أظلم نفسي وفي معظم الوقت أشعر أنني لا أعرف كيف أكون الرجل الذي تريده رغم أنني أريد أن أكونه هي تسأل عن يومي وعن مزاجي وعن صحتي وأنا أسأل نفسي هل أستطيع أن أكون لها وطنا وأنا لم أخرج بعد من خراب قديم الرجل
الذي يخاف من الفرح الناس يظنون أن الألم يأتي من الحزن لكن الحقيقة أن بعض الآلام تأتي من الفرح نفسه أنا أخاف من الفرح أخاف أن يقترب مني كثيرا فيأخذه القدر كما أخذ من قبل حين تضحك هي معي أبتسم لكن في أعماقي أمد يدي إلى قلبي كمن يطمئن أنه لا يزال في مكانه وحين تقول إنها تريد أن تبني معي حياة أشعر بالسعادة وفي الوقت نفسه أشعر بالخوف ذلك الخوف
الذي لا تتخلص منه إلا عندما تفقد شيئا لم تكن تتخيله يضيع أنا أريدها لكنني أخاف عليها مني أخاف أن أكون رجلا يجرحها دون قصد فقط لأنه لم يلتئم بعد لماذا أبقى إذا لأنها تستحق أن أحاول ولأن الحياة لا تعطي فرصا كثيرة ولأن قلبي رغم تشققه لا يزال قادرا على الدق ولأن حبي لها حتى لو كان متعبا حقيقي أنا لا أبقى معها لأنني أبحث عن بديل ولا لأنني أهرب من الماضي أنا أبقى لأن
هناك جزءا بداخلي يريد أن يعيش يريد أن يحب يريد أن يشفى حتى لو احتاج العمر كله التي لا تحسم شيئا لن أقول إنني نسيت ولن أقول إنني جاهز بالكامل ولن أقول إن الحاضر تغلب على الماضي لكنني سأقول الحقيقة كما هي أنا رجل فقد نصفه ويحاول أن يمنح النصف الباقي لمن تستحق رجل يسير في حياته وهو ينظر خلفه لكنه يمشي رغم كل شيء لا يتوقف لا يهرب ولا يكذب أحبها حتى لو أحببتها بطريقة ناقصة وأحاول حتى لو كانت محاولاتي بطيئة ومؤلمة هذا ما أملك وهذا ما أقدر عليه وهذا رغم كل القسوة حب لا يستهان به
رجل يسير في حياته وهو ينظر خلفه


