الرئيسيةاخبارحين ينهض التراب قلبا سيرة العشق الأول للوطن
اخبار

حين ينهض التراب قلبا سيرة العشق الأول للوطن

حين ينهض التراب قلبا سيرة العشق الأول للوطن

حين ينهض التراب قلبا سيرة العشق الأول للوطن

بقلم/نشأت البسيوني 

 

 الوطن ليس جغرافيا ترسم على الخرائط ولا نشيدا نردده في الطابور الصباحي ثم ننصرف ولا اسما نحفظه في شهادة الميلاد كأنه تفصيلة عابرة الوطن حين يتجلى في أعماق الإنسان يتحول إلى كائن حي ينام في عروقه ويكبر في نبضه ويصحو معه كل صباح على نفس الهموم ونفس الأحلام الوطن هو ذلك الوجع الجميل الذي نحمله برضا وتلك الحكاية التي لا نمل من إعادة 

 

سردها وتلك الأرض التي مهما ابتعدنا عنها نظل نشتاق حتى لطرقها الترابية ولأبواب بيوتها القديمة ولظل نخلة كانت تقف على مدخل شارعنا تشبه وقفة أب ينتظر ابنه ولأن حب الوطن ليس نصا يكتب بل روحا تعاش فإن محاولة الكتابة عنه تشبه محاولة الإمساك بالمطر لا يكتمل في اليد لكنه يترك أثره في القلب وفي هذا المقال أحاول أن أكتب عن الوطن كما نعيشه لا كما نقرأه عن وطن ينكسر 

 

فينا ثم نقوم به ويعلو بنا ثم نقبل رأسه وطن نتألم لأجله بصدق كما نتألم لأقرب الناس لنا ونفخر به كما يفتخر الأب بابنه الأول الوطن الذي ولد فينا قبل أن نولد عليه حب الوطن لا يبدأ عند لحظة الميلاد بل في حكايات الجدات وفي صور الآباء المعلقة على الجدران وفي رائحة البيت الأول التي نحملها معنا دون أن ندري نولد فنجد أنفسنا نحفظ أسماء الشوارع قبل الأبجدية ونتعلم 

 

اتجاهات الريح من انحناءة الأشجار ونقيس المسافات بخطوات الطفولة إلى المدرسة إلى بيت الجدة إلى الساحة التي كنا نلعب فيها حتى يغلبنا التعب الوطن في طفولتنا لم يكن جغرافيا بل كان بابا قديما ومقعدا خشبيا وضحكة أم ومشهد أب يعود مرهقا لكنه يفتح الباب بابتسامة تنقذ اليوم كله من التعب هناك تتجذر أول بذرة للحب كيف يصبح الإنسان مرآة وطنه حين نكبر نكتشف أن 

 

الوطن لم يعد في الخارج فقط بل صار يعكس نفسه في داخلنا نحب كما يحب ونغضب كما يغضب ونصبر كما يصبر الإنسان مرآة وطنه والوطن ظل إنسانه لو تأملت ملامح الشعوب لعرفت شكل أوطانها هناك أوطان تتنفس صبرا وأخرى تتنفس عنادا وثالثة تتنفس تاريخا ومع ذلك لا يوجد إنسان بلا وطن حتى الذين يبحثون عن مكان آخر يحملون أوطانهم القديمة في جيوبهم دون 

 

أن يشعروا لماذا نحب الوطن رغم كل شيء لأن الوجع فيه يشبه وجع الأبناء حين تمرض أمهم لا يستطيعون تركها ولا يستطيعون لومها ولا يستطيعون إلا أن يحبوها أكثر نحب الوطن لأنه يشفي وجعنا ويحتوي أخطاءنا ولأنه الأصل وكل شيء يعود إلى أصله مهما طال الزمن أوجاع الوطن وأوجاع الأبناء ليس كل حب ناعما حب الوطن واحد من تلك الأنواع الموجعة الصادقة نتألم لجراحه 

 

وكأن جزءا منا ينتزع نخاف عليه كما تخاف الأم على طفلها وحين يتعثر الوطن نشعر أننا نحن الذين تعثرنا وحين ينجح نشعر أن السماء فتحت بابا نورانيا لأجلنا الوطن الذي يربي أبناءه على الصمود هناك أوطان صغيرة في مساحتها كبيرة في صمودها وأوطان لم تعرف الراحة يوما لكن أبناءها يعرفون طريق الشمس تاريخها معارك لم تكتب كلها وانتصارات لم تعلن وخسائر لم تذكر 

 

لكنها رفعت سقف الصبر الوطن يعلم أبناءه أن الحياة ليست عادلة ولكن الكرامة تجعل الألم مقبولا والإنسان بلا وطن كالشجرة بلا جذور تقف لكنها لا تصمد ماذا يبقى من الوطن حين نغادره يبقى كل شيء إلا الأرض تبقى اللهجة والطبع والضحكة وطعم الخبز وصوت الجيران وحتى طريقة السلام هناك أشياء لا تحمل في الحقائب لكنها تسافر معنا الوطن يمسك بنا من طرف القلب ويقول 

 

حين تتعب عد الوطن ليس كاملا لكنه الأجمل رغم نقصه نحن لا نحب الوطن لأنه بلا أخطاء بل لأنه وطننا ما من وطن يرضي أبناءه في كل وقت لكن لا يوجد مكان يعوض الإنسان عن وطنه الأول نبحث عن أماكن أجمل لكنها لا تحتوي روحنا كما يفعل وطننا مهما كان ناقصا فالوطن حتى في نقصه هو الأجمل لأنه اختيار القلب الغيرة على الوطن هي ليست غضبا بل حماية شعور يولد فطريا 

 

حين يمسه أحد بسوء من لا يغار على وطنه لم يعرف الانتماء يوما حين يتحول الوطن إلى رسالة الكل يخدم وطنه بطريقته كلمة صادقة علم خطو في الخير ضمير حي عمل شريف الوطن لا يحتاج أساطير بل يحتاج إخلاصا وإن اجتمع الإخلاص تعافى الوطن ما الذي يجعل الوطن باقيا الحب الحب وحده الحب الذي يجعلنا نغفر ونحاول ونعيد البناء مهما تعثرنا الوطن يبقى لأن أبناءه يحبونه 

 

الوطن ليس وراءنا ولا أمامنا بل في داخلنا يمشي في دمنا يضيء الطريق حين نحتار ويربت على كتفنا حين نتعثر الوطن قلب قلب كبير لا يخذل أبناءه مهما طال الليل ولذلك سيظل حب الوطن رغم كل شيء أصدق حب وأطول عشق وأعمق وجع نتباهى به

حين ينهض التراب قلبا سيرة العشق الأول للوطن

حين ينهض التراب قلبا سيرة العشق الأول للوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *