الرئيسيةاخبارعندما يقف الزمن في قاعة المحكمة
اخبار

عندما يقف الزمن في قاعة المحكمة

عندما يقف الزمن في قاعة المحكمة

عندما يقف الزمن في قاعة المحكمة

بقلم/نشأت البسيوني 

 

يبدأ المشهد من لحظة دخول رمضان صبحى الى محيط محكمة الجنايات في الجيزة ومعه ثلاثة اخرون يتحركون بخطوات تبدو ثقيلة كأنهم يدخلون مساحة لا يملك احد السيطرة الكاملة عليها فالمحكمة في ذلك الصباح كانت تميل الى صمت غريب يشبه صمت ما قبل المطر وكل الوجوه التي وقفت تتابع الحدث كانت تعرف انها امام قضية تجاوزت حدود الخبر العابر ودخلت مساحة القضايا التي 

 

تشغل الراي العام لان اسم اللاعب وحده يكفي ليحول جلسة عادية الى مساحة مكتظة بالاسئلة عن المستقبل وعن النهاية وعن ما الذى ينتظر المتهمين في قضية التزوير التي اثارت جدلا واسعا منذ ظهور تفاصيلها الاولى وفي تلك اللحظة تحديدا بدا ان كل خطوة يخطوها اللاعب داخل المبنى تبني طبقة اضافية من التوتر حول الواقعة التي بدأت في معهد الفراعنة عندما ظهرت مستندات تشير 

 

الى وجود تلاعب في كشوف حضور بعض الامتحانات واتهامات بان اخرين ادوا الاختبارات نيابة عنه مما قاد القضية الى النيابة ومنها الى الجنايات ليقف اللاعب وشركاؤه امام منصة القضاء ومع مرور الوقت داخل القاعة كان واضحا ان الجميع يحاول قراءة الوجوه قراءة الاشارات البسيطة قراءة كل حركة يمكن ان تفسر ما يفكر فيه القاضي وما يستعد الدفاع لطرحه وما يخبئه الشهود من 

 

شهادات قد تغير شكل القضية فالقاعات الكبيرة لها طريقتها في كشف الشخصيات وتحويلها من اسماء معروفه او شديدة اللمعان الى اشخاص يجلسون في دائرة ضيقة محاطة بالاحتمالات وكان الحضور الاعلامي الذي انتشر حول المكان يزيد من حرارة الموقف لان الصحفيين يعرفون ان الجمهور ينتظر كل كلمة وكل اشارة وكل حكاية صغيرة تخرج من الجلسة حتى يعرف الى اين تتجه القصة 

 

التي لم تعد مجرد اتهام بالتزوير بل اصبحت حكاية لها ابعاد اجتماعية وسياسية ورياضية في وقت واحد ومع بداية استماع المحكمة الى اقوال المتهمين الاربعة ظهرت التوترات الخفية التي يعيشها كل واحد منهم فكل متهم يعرف انه في لحظة ما سيجد نفسه امام سؤال مباشر لا يمكن المراوغة فيه وهذا النوع من القضايا يجعل الشخص يشعر ان حياته كلها معلقة بين اجابتين وان 

 

اي كلمة خاطئة قد تعيد تركيب الصورة كلها من جديد وان الصمت احيانا يكلف المتهم اكثر مما يتصور ومع ذلك كانت الاجواء تميل الى هدوء قانوني صارم لان المحكمة كانت واضحة في جديتها وحاسمة في تعاملها مع المستندات التي تم تقديمها ومع الاقوال التي ادلى بها شهود المعهد الذين تحدثوا عن تفاصيل تخص الامتحانات وعن الكشوف التي ظهرت عليها توقيعات قيل انها 

 

ليست حقيقية وعن الاوراق التي شكلت بنية الاتهام الموجه الى اللاعب والى الاشخاص الذين ظهروا معه اليوم في الجلسة الثانية

وكان الجمهور في الخارج يعيش حالة من الترقب لانه يعرف ان حضور رمضان صبحى اليوم ليس حدثا عاديا فغيابه عن الجلسة الاولى خلق موجة من الاسئلة جعلت الاعلام ينتظر ظهوره ليرى كيف سيتعامل مع القضية وهل سيقف بثبات امام المنصة ام 

 

سيبدو متوترا امام الحشود فالجمهور يتعامل مع المشاهير بطريقة مختلفة ويبحث في ملامحهم عن اجابات لا تقال بصوت لكن تظهر على الوجه وعلى طريقة الجلوس وعلى شكل الحركة البسيطة التي قد تلمح بان الشخص يعرف ما ينتظره او يتوقع الاسوا او يحاول اخفاء شعور داخلي لا يريد ان يظهر ومع مرور الساعات كانت المحكمة تدخل مرحلة اعمق في الاستماع الى المستندات واصبحت 

 

التفاصيل تتراكم كما تتراكم طبقات الرمل في ساعة زمنية قديمة وكل شاهد يدخل يحمل جزءا صغيرا من المشهد وكل ورقة يتم عرضها تضيف سطرا جديدا في القصة فالنيابة قدمت مجموعة مستندات قالت انها تظهر اختلافا واضحا بين توقيعات اللاعب على اوراق اخرى وبين توقيعات ظهرت في كشوف الامتحانات وبين اقوال ذكرت ان احد المتهمين اعترف بانه دخل قاعات الامتحان 

 

نيابة عن اللاعب مقابل مبلغ مال بسيط وان الامر لم يكن مخططا بشكل معقد بل كان محاولة لتخطي ضغوط الدراسة والانشغال بالمباريات لكنها محاولة اصطدمت بحدود القانون الذي لا يقبل التهاون في التلاعب بالاوراق الرسمية ولم تكن المحكمة تهتم الا بجوهر القضية فالاعلام قد يبحث عن اسم اللاعب والجمهور قد يبحث عن الاثارة لكن القاضي يبحث عن الحقيقة وحدها تلك 

 

الحقيقة التي تريد ان تخرج من وسط الضوضاء وتثبت انها اقوى من كل محاولات التغطية عليها ولان المحكمة تعرف ان القضايا المرتبطة بالشخصيات العامة تصبح هدفا للقيل والقال فقد حافظت على النظام داخل القاعة ورفضت اي محاولة للتشويش حتى يخرج الحكم في النهاية معتمدا على المستندات لا على ما يقال في الخارج ومع اقتراب نهاية الجلسة بدا على المتهمين الاربعة شعور 

 

مشترك يشبه حالة الوقوف على حافة مجهول لان كل واحد منهم ينتظر خطوة المحكمة القادمة هل ستطلب شهادات اضافية هل ستكلف لجان فنية بفحص المستندات هل ستعيد استدعاء بعض المسؤولين في المعهد هل ستتجه الى تحديد جلسة للنطق بالحكم كل شيء كان ممكنا وكل شيء كان مفتوحا امام احتمالات كثيرة والجميع كان يعرف ان القضية لن تنتهي اليوم ولا غدا لان المسار 

 

القانوني يحتاج وقتا طويلا قبل ان يستقر على نتيجة اخرى

ومع خروج رمضان صبحى من القاعة كانت الكاميرات تنتظر اللحظة التي يلتقط فيها الاعلام تعبير وجهه بعد الجلسة فهناك من قال ان اللاعب حاول الظهور بهدوء وهناك من قال انه بدا مرهقا وهناك من قال انه لم يتحدث باي كلمة لان كل كلمة قد تفهم بطريقة غير التي يقصدها وفي مثل هذه اللحظات يتحول الصمت 

 

الى لغة اكثر وضوحا من الكلام لان الشخص يعرف انه يعيش مرحلة حساسة من حياته وان كل حركة محسوبة وكل خطوة تخضع لقراءة اعلامية وشعبية وتخرج القضية من المحكمة لتعود الى الشارع والناس يتحدثون عنها بطريقتهم الخاصة فهناك من يرى ان اللاعب ضحية عالم معقد يضغط على المشاهير وهناك من يرى انه كان يجب ان يكون اكثر حرصا وهناك من يرى ان المجتمع نفسه 

 

بحاجة الى مراجعة قواعد التعليم والالتزام وهناك من يرى ان التزوير مهما كانت دوافعه لا يمكن تبريره لان احترام القانون فوق الجميع وكل واحد يقدم قراءته الخاصة للقضية حسب رؤيته وحسب خبرته وحسب الطريقة التي يفهم بها معنى الخطأ ومعنى المسؤولية وبين كل تلك القراءات يبقى المشهد الحقيقي داخل المحكمة هو المشهد الادق لان القانون وحده هو الذي يمتلك القدرة 

 

على تحديد ما حدث فعلا وما يجب ان يحدث لاحقا والقضية التي بدأت كمعلومة صغيرة في معهد خاص تحولت اليوم الى قضية رأي عام لانها تجمع بين الشهرة والتعليم والقانون وكل واحد من هذه العناصر كاف ليجعل الجمهور يتابع التفاصيل بدقة لكن وجود الثلاثة معا جعل القضية اكثر اثارة واكثر ثقلا واكثر تعقيدا

وتنتهي الجلسة الثانية ويبقى السؤال الذي يشغل الجميع ما الذي 

 

سيقوله الحكم النهائي وما الذي سيحدث في الجلسات القادمة وكيف سيؤثر ذلك على مستقبل اللاعب وعلى مستقبل المتهمين الثلاثة الاخرين وعلى صورة التعليم الخاص وعلى ثقة الناس في المؤسسات وعلى شكل العلاقة بين الرياضيين والدراسة وبين الشهرة والمسؤولية وبين الخطا والعقوبة وكلها اسئلة ستظل معلقة حتى تنتهي فصول القضية بشكل رسمي امام منصة القضاء التي ينتظر الجميع كلمتها الاخيرة لانها وحدها الكلمة التي ستغلق هذه الحكاية او تفتح فيها بابا جديدا

عندما يقف الزمن في قاعة المحكمة

عندما يقف الزمن في قاعة المحكمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *