قصة قصيرة
حنينٌ لا يعرف اسمه
بقلم / د. حسين اسماعيل
كان يومًا عاديًا… أو هكذا ظنّت
“ليلى”، فتاة في السادسة عشرة، لا تزال تتعثر في خطوات المراهقة، بين ملامح أنوثة تتفتح، وطفولة تأبى المغادرة
علاقتها بأبيها كانت دوماً خاصة، لا تشبه أحدًا
كان يسند ظهره إلى وجودها، وتفهم هي صمته أكثر مما تفهم كلمات أمها الصريحة
تُحب صوته حين يقرَأ الجريدة، تُحب رائحة عطره وهو يغادر للعمل، تحب طريقته في نُطق اسمها، تظنه نبيها، حصنها، الرجل الذي لن يكذب
حتى جاء ذلك اليوم….
كانت تبحث في مكتبه عن بطارية لشاحنها، فتحت درجًا قديمًا، سقط منه هاتف قديم، ربما نسيه أو خبّأه
ترددت…
ثم ضغطت زر التشغيل
ولم تكن مستعدة
رسائل… صور…
امرأة غير أمها”، اسمها “نرمين”، محادثات تبدأ بكلمة “اشتقت”، وتنتهي برموز لا تليق بمن يُقال عنه “رب أسرة”
في لحظة… تغيّر العالم
كأن قلبها انكمش فجأة، ثم انكسر على نفسه
لم تبكِ
وضعت الهاتف مكانه… وأغلقت الدرج كما كان
خرجت من الغرفة وهي تجرّ خيبتها، تسند روحها على الجدران
في تلك الليلة، نظرت إلى أمها طويلاً، كانت تمسح الأرض وتُغني، تضحك، تُرتب الغداء
كأنها لا تدري… أو لا تريد أن تدري
ليلى لم تستطع أن تضحك بعدها
بدأت تنسحب بهدوء من أحاديث البيت، من صوت أبيها، من حضنه
تتحاشى عينيه، وتخاف أن يقول لها: “مالكِ؟”، لأن الجواب قد يُشعل الحريق
في المدرسة، جلست وحدها
في دفاترها كتبت:
كيف يغدر رجلٌ بابنته؟
لماذا تُكسر القلوب من حيث وثقت؟
كيف لابتسامة أبي أن تُخفي خيانة؟
هل يُغفر للآباء كل شيء؟””
صديقتها “ملك” سألتها:
“إنتي متغيرة… في إيه؟”
هزّت رأسها:
“مفيش… أنا كبرت بس”
لكنه لم يكن كبرًا
كان شقوقًا داخلية، وزلزالا عاطفيًا مبكرًا
كان أول درس في أن الرجال ليسوا جميعهم كما تُخبرنا الروايات
في أحد الأيام، عاد أبوها ومعه هدية لها، بلا مناسبة، عطرًا تحبه
قال مبتسمًا:
“لقيته بالصدفة، افتكرتك”
نظرت إلى الهدية، ثم إلى وجهه، وابتسمت بعين لا تصدق، وشفاه لا تنطق
في قلبها، كانت تقول:
“كم من الخيانات تُغلفها العطور؟ كم من الذكريات تُسممها رائحة الطيب؟”
تلك الليلة، اختبأت تحت بطانيتها، وبكت لا بصوت، بل برعشة في الجسد لا يراها أحد
كل ذكرياتها معه… تغيرت ألوانها
ضحكاته وهي طفلة، تشجيعه لها، حتى قصص ما قبل النوم… صارت جميعها ملفوفة بشك، كأن الزمن يُراجع نفسه، ويحذف الطهر من الماضي
ولأول مرة، سألت نفسها سؤالاً لم تتخيله يومًا:
“هل أُخبر أمي؟ هل أفتح الجرح؟ هل أصمت إلى الأبد؟”
لم تملك جوابًا
لكنها كتبت على صفحة هاتفها:
“أنا بنت أبي، لكن قلبي ليس له بعد الآن”
وفي أحد الأيام، جلست أمام المرآة، تتأمل ملامحها التي تشبهه، تتساءل:
“هل الخيانة تُورَّث؟”
ثم انتفضت، ومسحت دموعها، وقالت:
“أنا لن أكون صورة مكررة من حكاية مشروخة
أنا سأعيد كتابة الثقة… بنفسي فقط

