طبقة أرستقراطية حكمت البلاد
محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده، و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن فترة حكم الدولة المملوكية، وهي دولة المماليك، وكما تذكر المصادر أنه عاش المماليك أنفسهم طبقة أرستقراطية يحكمون البلاد ويتمتعون بالجزء الأكبر من خيراتها دون أن يحاولوا الإمتزاج بأهلها إلا قليلا، وقد شهد الرحالة الأجانب الذين زاروا مصر في ذلك العصر بعظم ثروة المماليك وحياة الترف والنعيم التي عاشوا في ظلها، أما عامة الشعب فقد استطاع بعض فئاتهم مثل المعممين والتجار أن يحتفظوا لأنفسهم بمكانة مرموقة في المجتمع ومستوى لائق من المعيشة، في حين عاش غالب أهل البلاد.
من العوام والفلاحين حياة أقرب إلى البؤس والحرمان، وعلى الرغم مما كان يتعرض له أهالي القاهرة أحيانا جراء عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي إلا أنهم عاشوا عيشة مرحة، حرصوا على الإقبال على وسائل التسلية، والخروج إلى الحدائق العامة، والرغبة في سماع الموسيقى، والغناء، والتلهي بمشاهدة خيال الظل أو مشاهدة نطاح الكباش ومناقرة الديوك، وقد وصف ابن بطوطة أهالي مصر حينما زارها بأنهم ذوو طرب وسرور ولهو، ومن أبرز وسائل الترفيه والتسلية آنذاك كان الجلوس إلى المقاهي و الاستماع إلى الحكومية الذين كانوا يروون القصص العربية الخرافية مثل ألف ليلة وليلة ومنها الحقيقية مثل سير أبطال الإسلام السابقين الظاهر بيبرس وصلاح الدين الأيوبي، وقد تخصصت بعض المقاهي بقص سيرة الظاهر بيبرس وعرفت باسم المقاهي الظاهرية.
وأخرى بقصص أبي زيد الهلالي وعرفت باسم المقاهي الهلالية، وغيرها، ولقد كانت العربية هي اللغة الأولى السائدة بين جميع أطياف الشعب في العصر المملوكي، أما سلاطين المماليك فقد تحدثوا التركية كلغة أم، والتركية المقصودة هنا هي التركية القفجاقية المنقرضة اليوم، وعلى الرغم من أن المماليك البرجية كانوا شراكسة، فإنهم تحدثوا التركية كذلك كونها كانت لغة أسيادهم المماليك البحرية، فلقنوهم إياها بمجرد قدومهم إلى مصر، فكان من نتيجة ذلك أن تترك هؤلاء لغة وثقافة ومن جهة ثانية، فإن الفترة التي عاشها العرب في ظل الدولة المملوكية مع غيرهم من الأعراق الترك والشركس والمغول والأرمن، أفضت إلى تأثرهم بثقافهم هذه الأقوام مثلما تأثر هؤلاء بالثقافة العربية، وكان من نتائج هذا التأثير أن ألقت كل ثقافة بظلالها على الأخرى فأوحت إليها ببعض الألفاظ.
والتعابير الاصطلاحية التي كانت تنمو مع نمو الأزمنة وتخضع وتطوراتها، استمر بعضها صامدا في مصر والشام إلى اليوم، ومن أبرز تلك المصطلحات هو الأعلام التي تستخدم اليوم بمعنى الرايات، ومعناها الأصلي الراية العظيمة المصنوعة من الحرير الأصفر المطرز بالذهب وعليها ألقاب السلطان واسمه، ومنها أيضا الأوباش وهو لفظ أطلق في العصر المملوكي العثماني على الجماعات المثيرة للشغب والتي كانت تقوم بين الحين والآخر بأعمال النهب والإعتداء على الآمنين وقطع الطرق على التجار والوافدين، وكذلك بقسماط، وهو ضرب من الخبز الجاف المقطع يستعمل أثناء الطوارئ حين لا يتوفر الرغيف الطازج، وما زال هذا المصطلح يستخدم في مصر وشمال الشام وغير ذلك كثير.
طبقة أرستقراطية حكمت البلاد

