الرئيسيةسياسةقراءة في الاستراتيجية الأمريكية 2026
سياسة

قراءة في الاستراتيجية الأمريكية 2026

قراءة في الاستراتيجية الأمريكية 2026

متابعه أحمد القطعاني
كتب لواء دكتور سمير فرج

معظم الدول الكبرى في العالم استراتيجياتها عن العام الجديد، وبالطبع فإن ذلك سوف يفتح المجال للعديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية والمفكرين السياسيين في تحديد هوية واتجاه كل هذه الدول في العام الجديد.

لذلك، طالعتنا جريدة وول ستريت جورنال The Wall Street Journal بإعلان ما أصدره البيت الأبيض باستراتيجية أمريكا الجديدة 2026، والتي تضمنت 30 صفحة. وعرفت الصحيفة أن الوثيقة سلطت الضوء على مدى التغيير الجذري الذي تجريه إدارة ترامب في السياسة الخارجية الأمريكية، والذي من المتوقع أن يؤدي إلى تعميق الانقسامات داخل حلف الناتو.

ركزت الصحيفة على أن الوثيقة الأمريكية لم تركز على المستقبل السياسي لأي منطقة أخرى غير أوروبا، ولفتت إلى عدم ذكر روسيا إلا مرة واحدة. ومن دراسة الوثيقة يمكن أن نقول إن أمريكا طرحت الرؤية الجديدة لعام 2026، على أساس أن العالم تسيطر عليه ثلاث قوى كبرى هي الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، ولكل منها مجالات واتجاهات طبقا لاستراتيجيتها.

كذلك أكدت الوثيقة أن واشنطن ترى أن التسوية الدبلوماسية، وليست للتصعيد العسكري، هي السبيل الوحيد القابل لضمان أمن أوروبا وتجنب مواجهة طويلة الأمد مع روسيا. وكانت المفاجأة أن الوثيقة تعهدت بألا يكون هناك أي توسيع لحلف شمال الأطلسي مستقبلاً، مما يعد ضربة لتطلعات أوكرانيا في الانضمام إلى الحلف مستقبلًا، على أساس إن ذلك الفكر سيُوضع في الحسبان بالطبع عند الوصول لأي حل للمشكلة الروسية-الأوكرانية.

كذلك، أكدت الولايات المتحدة على عمق الفجوة بين واشنطن وحلفائها في أوروبا، حيث صدرت وثيقة تشير إلى أن أوروبا تواجه تراجعًا اقتصاديًا، نتيجة التصاعد السياسي للأحزاب اليمينية المتطرفة والمعادية للاتحاد الأوروبي.

وأشارت الوثيقة إلى أن الاستراتيجية الأمريكية تميل إلى تحديث مبدأ مونرو، وهو الإعلان الذي صدر عام 1823، والذي يعتبر أن أمريكا اللاتينية محظورة على أي قوة أجنبية. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستسعى للوصول إلى موارد ومواقع استراتيجية في كل دول أمريكا اللاتينية لضمان استقرار هذه الدول، وبالتالي منع الهجرة الجماعية منها إلى الولايات المتحدة.

بالنسبة للصين، أكدت الوثيقة صعودها السريع، ومن هنا تعتبرها القوى المنافسة لواشنطن في آسيا، خاصة أن الصين تركز في قوتها على الشق الاقتصادي وبالتالي العسكري. أما الهند، فإن الولايات المتحدة تعتبرها دولة غير منحازة طبقاً لتاريخها الطويل معها، وعلاقات الهند مع الصين حاليا متوترة، ولكن يجب أن يكون للهند دور لتحقيق الأمن في المنطقة الآسيوية.

وبالنسبة للشرق الأوسط، ترى أمريكا ضرورة الهيمنة على المنطقة، ولكن في الوقت نفسه ترى ضرورة تخفيف حجم التركيز عليها، خاصة أن الولايات المتحدة لن تعتمد مستقبلاً على النفط الخليجي نظرًا لتطويرها وسائل الطاقة الأمريكية. كما أكدت الوثيقة على تراجع الدور الإيراني نتيجة الضربات الأمريكية والإسرائيلية التي تمت تجاه إيران.

أما بالنسبة لإسرائيل، تضمنت الوثيقة فقرة رئيسية تشير إلى أنه يتعين على أمريكا ضمان أمن إسرائيل، بعد أن كانت تاريخياً في مقدمة أولويات الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالنسبة لأفريقيا، أكدت الوثيقة أن الانتقال من العلاقات القائمة الآن على تقديم المساعدات إلى التركيز على ضمان تعظيم موارد الدول الأفريقية، حتى تكون معتمدة على نفسها بدلاً من تلقي المساعدات.

ومن تحليل هذه المبادئ التي أوردتها الوثيقة الأمريكية، يمكن الوصول إلى المفاهيم التالية: أولاً، أن الولايات المتحدة لن تدخل في حروب برية في الفترة القادمة، وأن ذلك يتماشى مع ما أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب خلال حملته الانتخابية، وأنه يهدف إلى أن يُطلق عليه بعد مغادرة البيت الأبيض بعد ثلاث سنوات لقب “رئيس السلام”، حيث انه لن يورط الولايات المتحدة في حروب مثل فيتنام وافغانستان.

ثانياً، فإن الرئيس الأمريكي لا يرى أي دور لأوروبا وحلف الناتو في الفترة القادمة، حيث أن الوثيقة أعلنت بصراحة أن القوة الرئيسية التي تعمل لها أمريكا حساب هي روسيا والصين. ومن هذا المنطلق، يُتوقع أن تركز أمريكا في الفترة القادمة على زيادة قدراتها النووية لتكون رادعًا أمام هذه القوى الكبرى، مع التركيز كما ذكرت الوثيقة على تشكيل قوة المهمات العقربية الضاربة (Task Force Scorpion Strike) (TFSS) ونشر الطائرات المسيرة (drones) في مناطق التهديدات المختلفة المحتملة.

كما أبرزت الوثيقة التحول الجذري لأمريكا تجاه الشرق الأوسط، حيث انها لن تنسحب من المنطقة، ولكن لن تكون لها الأولوية الاستراتيجية، وسيكون الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة مكانًا للشراكة والاقتصاد والاستثمار، وليس مستنقعًا للعمليات العسكرية مستقبلًا. وركزت الوثيقة على أن إيران هي القوة الأكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة، مع تركيز الولايات المتحدة على منع أي قوة معادية من السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وموارده من النفط والمضايق البحرية، دون اللجوء إلى أي حرب هناك. ومن هذا المنطلق أنشأت الولايات المتحدة قوات المهمات العقربية هناك.

وكانت المفاجأة بعد نشر هذا التقرير، ترحيب الكرملين بهذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، حيث أعلن أنها تتفق مع تصورات روسيا خلال عام 2026، ووصف الاستراتيجية بأنها واقعية ومرنة، وأكدت على إجبار الولايات المتحدة على إحياء عقيدة مونرو، والتي تقول إن الكرة الغربية منطقة نفوذ واشنطن. وأكد الكرملين أن رأي واشنطن لإنهاء الحرب مع أوكرانيا يمثل مصلحة للولايات المتحدة، التي تريد إعادة إرساء الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *