تحت قبة البرلمان٠٠ الفرق بين نائب الشعب ونائب الحصانة
كتب/الدكتور خالد فاروق عميرة
ليس السؤال: من يحكم؟ بل السؤال الأخطر: من ينوب عن الشعب؟ ومن يملك حق الكلام باسمه، والتشريع نيابة عنه، والمساومة على آلامه، ثم العودة إلى بيته مطمئنًا وكأن شيئًا لم يكن.
في الدول الحية، النائب يُعرَّف بوظيفته لا بإسمه؛ خادمٌ للإرادة العامة، ورقيبٌ على السلطة، وصوتٌ للناس حين يُصابون بالصمم السياسي. أما في الدول المتعبة، فيتحول النائب إلى لافتة، والبرلمان إلى ديكور، والتمثيل إلى تمثيل… بالمعنى المسرحي الرديء.
النيابة… من التفويض إلى المصادرة
الشعب لا يسلّم صوته للأبد، ولا يوقع على شيكٍ على بياض. التفويض في جوهره مؤقت، مشروط، وقابل للسحب. لكن ما يحدث غالبًا هو العكس: يتحول التفويض إلى مصادرة، والوكالة إلى ملكية خاصة، وكأن المقعد النيابي إرث عائلي أو غنيمة انتخابية.
حين يُختزل النائب في خدمات فردية، وتُقاس شرعيته بعدد الصور لا بعدد القوانين، نكون قد انتقلنا من سياسة التمثيل إلى سياسة الإلهاء.
البرلمان حين يفقد وظيفته
البرلمان ليس عددًا من الكراسي ولا سبورة للتصفيق. البرلمان الحقيقي يزعج، يسأل، يشتبك، ويختلف. فإذا غاب الصراع الشريف، وحلّ التوافق المصطنع، فاعلم أن المؤسسة فقدت روحها.
البرلمان الذي لا يراقب الحكومة، شريكٌ في أخطائها. والنائب الذي لا يسائل، متهمٌ بالصمت. والصمت في الشأن العام موقف سياسي، لكنه موقف منحاز… ضد الناس.
من ينوب حقًاعن الشعب؟
ليس من يرفع الشعارات، ولا من يحسن الخطابة، ولا من يملك المال أو الظهير الحزبي. من ينوب عن الشعب هو من:
يفهم أن المنصب تكليف لا تشريف.
يدرك أن الجوع أولوية، والكرامة سياسة، والعدل أمن قومي.
لا يساوم على الحق مقابل البقاء.
يعلم أن التاريخ لا يرحم، وأن المناصب زائلة.
أزمة تمثيل أم أزمة وعي؟
الحقيقة المؤلمة: الأزمة مزدوجة. سلطة تبحث عن نواب مطيعين، وناخب أنهكه الفقر حتى صار صوته قابلًا للبيع، أو الخوف حتى صار صوته صامتًا.
لكن لا دولة تُبنى بالخوف، ولا شرعية تُصان بالصمت. والأوطان لا تسقط فجأة… بل تسقط حين يعتاد الناس غياب من ينوب عنهم.
كلمة أخيرة
إذا لم ينطق النائب بلسان الناس، سيتكلم الغضب. وإذا لم تُفتح قبة البرلمان للأسئلة، ستُفتح الشوارع للإحتجاج. فالسياسة لا تعرف الفراغ… وإن غاب التمثيل الحقيقي، حضر الإنفجار.
من ينوب عن الشعب؟ سؤال يجب ألا يُغلق، لأن إغلاقه هو بداية إغلاق جميع منافذ الحياة
تحت قبة البرلمان٠٠ الفرق بين نائب الشعب ونائب الحصانة


