حين تعود التنمية إلى الأرض واستثمار الزراعة كخيار استراتيجي للنمو
هيثم عكري يكتب
خفض سعر الفائدة ليس مجرد قرار مالي للبنوك، بل هو إشارة قوية بأن الدولة تريد تحريك عجلة الإنتاج، وتحويل الأموال من دائرة الانتظار إلى دائرة العمل. الفائدة المرتفعة تحبس الأموال وتخنق الاستثمار، بينما خفضها يفتح الباب أمام من يريد أن يزرع ويصنع ويشغّل الناس.
الزراعة كمحرك للنمو
الحديث عن تشجيع الاستثمار في مصر يجب أن يبدأ من الواقع: الزراعة. مصر قامت حضارتها على الأرض والعمل، ولا تزال الزراعة قادرة على أن تكون مدخلًا حقيقيًا للتنمية إذا أحسنّا إدارتها ودعمها. الاستثمار الزراعي ليس رفاهية أو خيارًا مؤجلًا، بل هو سريع التشغيل، قليل المخاطر نسبيًا، كثيف العمالة، ويخلق صناعات وخدمات تمتد من الحقل إلى المصنع إلى السوق، خصوصًا في أقاليم مثل الصعيد، حيث الأرض والشباب موجودان، لكن غياب التمويل وارتفاع تكلفة الاقتراض كانا عائقًا حقيقيًا.
خفض الفائدة كأداة إنصاف
خفض الفائدة يسمح للمزارع الصغير والمستثمر المتوسط بالدخول إلى السوق دون أن تلتهم الفوائد جهده، ويحوّل القرض من عبء ثقيل إلى وسيلة إنتاج، ومن سبب للديون إلى فرصة للحياة الكريمة.
دروس التجارب الدولية
التجارب الدولية تؤكد أن العودة إلى الزراعة كانت دائمًا مخرجًا ذكيًا من الأزمات: الهند دعمت التمويل الزراعي لتحويل الريف إلى محرك اقتصادي، البرازيل جعلت الزراعة والصناعات الغذائية ركيزة أساسية لنموها، والدول الأوروبية اليوم تعيد دعم المزارع المحلي لضمان الأمن الغذائي كجزء من الأمن القومي.
استثمار الزراعة كأولوية وطنية
خفض سعر الفائدة خطوة صحيحة، لكنه يجب أن يكون البداية لمسار أوسع يوجه التمويل نحو الإنتاج الحقيقي، خاصة الزراعة والتصنيع الزراعي، ويمنح المشروعات الصغيرة والمتوسطة فرصة للنمو، ويحمي المنتج المحلي. المال إذا لم يجد طريقه إلى الأرض والمصنع سيتجه إلى المضاربة ويضيع الهدف.
الزراعة فرصة حقيقية للتنمية
الاستثمار الزراعي ليس مجرد أرقام في تقارير النمو، بل هو استقرار للأسرة، وفرصة عمل للشباب، وتقليل للهجرة الداخلية، وتنمية حقيقية للأقاليم. حين نزرع في الصعيد، نحن لا نزرع محصولًا فقط، بل نزرع أملًا ونبني مستقبلًا أكثر عدلًا واستدامة.
حين تعود التنمية إلى الأرض واستثمار الزراعة كخيار استراتيجي للنمو


