أولى مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية
أولى مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 12 يناير 2025
أولى مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية
الحمد لله العلي الأعلى، خلق فسوّى، وقدّر فهدى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العُلا، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله نبي الرحمة والهُدى، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأئمة الأبرار النجباء، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور والجزاء أما بعد فاتقوا الله عباد الله، حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ثم أما بعد إن معالم ومظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية تتجلى في مجالات الحياة كلها لأنه الله لطيف بعباده، وإذا أردنا أن نخوض في أعماق التيسير في دين الله عز وجل فإننا سنجد أنفسنا أمام بحر زاخر من الشواهد والنصوص والأحداث التي تقر هذا المبدأ، فإن فتح باب التوبة من أعظم التيسير، وأولى مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية فتح باب التوبة.
وقد يتعجب البعض ولكن لكي نقف على يسر شريعة الإسلام، في فتح باب التوبة؛ فلا بد أن نتعرف على شرع من كان قبلنا، فقد كان للتوبة في شرع من قبلنا شرط خفف عنا، فلما عبد قوم موسى العجل وسقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا، وأرادوا التوبة، فجعل الله لهم امتحانا شديدا لقبول توبتهم وذلك بأن يقتلوا أنفسهم فيغير بعضهم على بعض، ويتقاتلوا بينهم، فكان قتل النفس شرطا لقبول توبتهم، وقال الزهري لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها، برزوا ومعهم نبي الله موسى عليه السلام، فاضطربوا بالسيوف، وتطاعنوا بالخناجر، ونبي الله موسى رافع يديه، حتى إذا أفنوا بعضهم، يعني كثر القتلى منهم، قالوا يا نبي الله، ادع الله لنا، وأخذوا بعضديه يسندون يديه، فلم يزل أمرهم على ذلك، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض، فألقوا السلاح.
وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى ما يحزنك؟ أما من قتل منكم فحيّ عندي يرزق، وأما من بقي فقد قبلت توبته فسرّ بذلك نبي الله موسى، وبنو إسرائيل، أما في الشريعة الإسلامية فيتجلى فضل الله تعالي وتيسيره على هذه الأُمة من خلال قبول توبة العاصي بمجرد الإنابة إلى الله تعالي والتوبة النصوح، فمن تاب وأقلع عن الذنب، وعزم على عدم العودة إليه، ورد المظالم إلى أصحابها، تاب الله عليه، وقبل منه، فأي تيسير أكثر من أن يعلم الخاطئ أن باب التوبة مفتوح على مصراعيه، وأنه إن بذل جهدا في التقرب إلى الله، فإن خالق الكون يتقرب إليه بأكثر مما يصنعه العبد فمهما عظم جرم الإنسان وكبر ذنبه، فباب التوبة مفتوح فالله جل وعلا لا يتعاظمه ذنب، وكان من قبلنا إذا أذنب أحدهم ذنبا يكتب ذنبه على باب داره، وتكتب معه كفارته.
أما نحن الأُمة المحمدية فقد جعل الله كفارة ذنوبنا قولا نقوله بألسنتنا، فتوبتنا أسهل تناولا، وأسرع قبولا، وقد ورد في تفسير ابن المنذر رحمه الله أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مجتمعين عند ابن مسعود رضي الله عنه، فتذاكروا بني إسرائيل وما أعطاهم الله من فضائل، فقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه “كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب ذنبا كتب ذنبه علي باب داره، وكتب معه كفارة ذلك ليغفر ذلك الذنب، أما أنتم فجعل الله مغفرة ذنوبكم قولا تقولونه بألسنتكم، بل جعل الله تعالي لسيئات المؤمنين ما يوجب تكفيرها، وإن لم يحصل من العبد توبة أو استغفار، وهذه المكفرات على نوعين، فالأول هو نوع من كسب العبد، وهي الحسنات، والثاني وهو نوع من غير كسب العبد، وهي المصائب، ومما خفف الله تعالي به عن هذه الأُمة في باب الطهارة، نجد أن طهارة الثوب في شرع من قبلنا كانت بقطع ما نالته النجاسة من الثوب فكان إذا أصاب النجس ثوب أحدهم لا يطهره بل يقطع الثوب كما ورد في رواية الإمام أحمد والحاكم واللفظ له من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كان بنو إسرائيل إذا أصاب ثوب أحدهم البول، قرضه بالمقراض”
أما في شريعة الإسلام فمعلوم ما في ديننا من التيسير الكثير في شأن الطهارة ورفع الحرج، فيكفي أن نغسل مكان النجاسة مرة واحدة بماء طهور، ويتبين هذا الدين في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فقام الناس ليقعوا به، ثم إنه رخص لمن لا يستطيع استخدام الماء أن يتيمم، والمتأمل يرى ما يدل على العفو والغفران ورفع الحرج ما يدل دلالة واضحة على التيسير والتخفيف في كل ما يتعلق بالطهارة.