إيران والخذلان
إيران والخذلان
بقلم : علي فتحي
إيران والخذلان
تعتبر إيران واحدة من القوى الإقليمية البارزة في الشرق الأوسط وقد شكلت على مدى عقود عديدة حلفاء استراتيجيين في العديد من الدول والحركات في المنطقة لكن في الأيام الأخيرة شهدنا تغيرا ملحوظا في سياستها الخارجية تمثل في تراجع دعمها لحلفائها التقليديين مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية والنظام السوري المخلوع بقيادة بشار الأسد والأن الحوثيين في اليمن والحشد الشعبى فى العراق ، هذا التغيير يعكس تحولا في استراتيجيات طهران الإقليمية ويطرح تساؤلات عديدة حول دوافعه وتداعياته المستقبلية فمنذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979 شرعت إيران في بناء شبكة من التحالفات مع الحركات والجماعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط كان الهدف الأساسي لإيران يتمثل في تعزيز دورها كزعيم للطائفة الشيعية في المنطقة والعمل على تشكيل الهلال الشيعي الذي يمتد من طهران مرورا ببغداد ودمشق وصولا إلى بيروت وصنعاء حيث كان دعم إيران لهذه الحركات كان يشمل توفير الأسلحة والتدريب والدعم المالي وحتى الدعم العسكري المباشر في بعض الحالات ، لكن عوامل رئيسية قد ساهمت في تحول السياسة الإيرانية منها الوضع الاقتصادي المتدهور منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 2018 حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات قاسية على إيران ما أدى إلى انخفاض حاد في الإيرادات النفطية وارتفاع معدلات البطالة والتضخم ، هذا التدهور الاقتصادي دفع إيران إلى إعادة النظر في استراتيجياتها وتخصيص مواردها الداخلية بدلا من الاستمرار في تمويل حلفائها الإقليميين .
وتعد سوريا من أبرز الحلفاء الذين دعمتهم إيران في السنوات الماضية سواء على مستوى الدعم العسكري أو المالي ولكن مع دخول روسيا كلاعب رئيسي في الأزمة السورية في عام 2015 بدأ النفوذ الإيراني يتراجع تدريجيا ، فروسيا التي تدخلت لدعم النظام السوري عسكريا أصبحت هي القوة الأهم على الأرض في سوريا مما قلل من أهمية الدور الإيراني هناك ، وهذا التحول دفع إيران إلى تقليص مشاركتها المباشرة في الصراع السوري والتوجه نحو تعزيز وجودها في مناطق أخرى ، كما يعد حزب الله اللبناني الذى كان يعتبر أحد أهم حلفاء إيران في المنطقة على مر السنين ، قدمت إيران له دعما كبيرا ليس فقط من خلال التمويل بل أيضا عبر التدريب العسكري ومع ذلك فإن التحديات الاقتصادية التي تواجهها إيران أدت إلى تقليص الدعم الموجه لحزب الله كما أن الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان قد ساهمت في تقليص قدرة الحزب على مواجهة الضغوط الداخلي والخارجية مما جعل طهران تراجع استراتيجيتها تجاهه ، إضافة إلى أن علاقة إيران بحركة حماس الفلسطينية كانت دائما متقلبة خصوصا في ظل التطورات السياسية في المنطقة ، ففي بداية العقد الثاني من الألفية كانت إيران تقدم دعما ضخما لحركة حماس في مواجهة إسرائيل غير أن موقف حماس من الثورة السورية في عام 2011 قد اختارت الوقوف مع المعارضة ضد نظام بشار الأسد المدعوم من إيران وذلك قد أثر على العلاقة بين الجانبين ورغم محاولات إيران لتقريب العلاقة مع حماس إلا أن الأخيرة بدأت تميل نحو دول الخليج متمثلة فى قطر وتركيا ما جعل دعم إيران لحماس أقل من السابق .
إيران مازالت تقدم دعما كبيرا للحوثيين في اليمن سواء على مستوى الأسلحة أو الدعم اللوجستي لكن مع تعقيد الوضع في اليمن وظهور تحالفات جديدة بين بعض الدول الإقليمية والحوثيين بدأت إيران تواجه تحديات في الحفاظ على دورها المؤثر فهناك الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر التي نُسبت إلى الحوثيين زادت من العزلة الدولية لإيران مما دفعها إلى إعادة تقييم دعمها للحوثيين ، إيران التي كانت تشكل أحد اللاعبين الرئيسيين في العديد من الصراعات الإقليمية بدأت تشعر بالضغوط المتزايدة من القوى الكبرى في العالم بالإضافة إلى ضغوط اقتصادية داخلية مما دفعها إلى تعديل استراتيجياتها الإقليمية لتجنب المزيد من العزلة الاقتصادية والسياسية ، ومع تراجع النفوذ الإيراني أصبحت الحاجة إلى توازن القوى في المنطقة أكثر وضوحًا في الدول العربية ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بدأت تعمل على بناء تحالفات قوية مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا هذا التوجه يسعى إلى التأكد من أن إيران لن تظل القوة المسيطرة على مجريات الأحداث في المنطقة من خلال هذه التحالفات يمكن للدول العربية أن تسعى لتقوية موقفها الإقليمي وتحقيق استقرار أكبر في مواجهة التحديات القادمة ، وفي الوقت نفسه بدأت تركيا تلعب دورًا أكبر في الشرق الأوسط خاصة مع تعزيز تحالفاتها مع بعض الدول العربية على الرغم من أن إيران وتركيا ينتميان إلى معسكرين مختلفين في بعض القضايا إلا أن هناك فرصًا لتعاون بينهما في بعض الملفات الإقليمية تركيا التي تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة قد تجد في التراجع الإيراني فرصة لتمديد يدها في العديد من الملفات مثل الصراع في سوريا والعراق واليمن ، كما أن التغيرات الداخلية في إيران تعد من العوامل الرئيسية التي أثرت على سياستها الخارجية فالاحتجاجات الشعبية المتزايدة التي نجم عنها ضغط اقتصادي متزايد قد جعلت الحكومة الإيرانية في وضع صعب فهناك الحاجة إلى الإصلاحات الداخلية خاصة في المجال الاقتصادي والاجتماعي دفعت النظام الإيراني إلى إعادة تقييم علاقاته الخارجية علاوة على ذلك فإن الحكومات الغربية تفرض المزيد من العقوبات على إيران مما جعلها تركز بشكل أكبر على التعامل مع قضاياها الداخلية .
إيران الأن تجد نفسها الآن مضطرة إلى تقليص الدعم المالي والعسكري للحركات المسلحة في الخارج نتيجة للأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها في ظل العقوبات الأمريكية وتراجع أسعار النفط والعقوبات المفروضه عليها أصبح من الصعب على طهران مواصلة تمويل حلفائها التقليديين وهذا التحدي الاقتصادي يطرح تساؤلات حول قدرة إيران فى الحفاظ على هيمنتها في المنطقة في المستقبل القريب خاصة في ظل المنافسة المتزايدة على الموارد والنفوذ في الشرق الأوسط ، فمنذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض كان هناك تغيير ملحوظ في السياسة الأمريكية تجاه إيران على الرغم من أن الإدارة الأمريكية الجديدة تبدي رغبة في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني إلا أن العلاقات الأمريكية الإيرانية تبقى متوترة بسبب مواقف إيران الإقليمية هذا التوتر يؤثر بشكل مباشر على السياسة الإيرانية في المنطقة ويجعل طهران تتخلى عن بعض تحالفاتها التقليدية التي كانت تعتبرها أساسية في تأمين مصالحها .
إن التغييرات التي تحدث في موازين القوى الإقليمية تشير إلى أن إيران قد تجد نفسها في عزلة أكبر إذا استمرت في سياسة دعم الحركات المسلحة في المنطقة بعد تراجع دعم إيران لحلفائها التقليديين وقد بدأت بعض الحركات بالفعل في البحث عن حلفاء جدد في المنطقة على سبيل المثال هناك محاولات من بعض الجماعات الفلسطينية لتحسين علاقاتها مع الدول العربية السنية خاصة تلك التي تقودها السعودية والإمارات إضافة إلى التوترات في البحر الأحمر والخليج العربي بما في ذلك الهجمات على السفن التجارية وحرية الملاحة في هذه المناطق تبقى مصدر قلق كبير لإيران إلا أن طهران بدأت تشعر بالعزلة في هذه المناطق بعد تزايد الضغط الدولي ضد أنشطتها فهذه التوترات تساهم في زيادة العزلة الاقتصادية والسياسية لإيران وتؤثر بشكل كبير على قدرتها في استراتيجيتها الإقليمية ، وفيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية الإسرائيلية شهدت الفترة الأخيرة تصاعدًا في المواجهات غير المباشرة بين الطرفين على الرغم من أن إسرائيل لم تكن ضمن قائمة الحلفاء الإيرانيين التقليديين إلا أن السياسة الإيرانية في المنطقة قد خلقت تحديات جديدة لإسرائيل في ضوء هذه التوترات قد تجد إيران نفسها مضطرة للتخلي عن بعض استراتيجياتها التي كانت تهدف إلى تقويض التأثير الإسرائيلي في المنطقة ، وفي الوقت الذي تعاني فيه إيران من تقليص دعم حلفائها فإنها تحاول البحث عن حلفاء جدد على سبيل المثال إيران بدأت تركز على تحسين علاقتها مع بعض الدول غير العربية في المنطقة مثل عُمان وقطر هذه الدول قد تكون بمثابة خيارات لدعم إيران في ظل الضغط الإقليمي والدولي الذي تواجهه لكن نجاح هذه المساعي يبقى غير مؤكد في ظل التنافسات الإقليمية المتزايدة ومن أجل الحفاظ على مصالحها الإقليمية قد تضطر إيران إلى بناء تحالفات جديدة مع تزايد الضغط من المجتمع الدولي قد تجد إيران نفسها مضطرة للتخلي عن بعض حلفائها التقليديين لا سيما في ظل الحاجة الملحة للحصول على الدعم السياسي والاقتصادي وفي ظل هذه التغيرات ستكون إيران بحاجة إلى إيجاد طرق جديدة للتعامل مع أزماتها الداخلية والخارجية في آن واحد.
من المؤكد أن تخلي إيران عن حلفائها التقليديين سيكون له عواقب كبيرة على سياستها الخارجية هذه التحولات قد تؤدي إلى زيادة العزلة السياسية والاقتصادية لطهران الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على قدرتها على التأثير في الأحداث الإقليمية وفي الوقت نفسه قد تجد بعض الدول العربية في هذا التراجع فرصة لاستعادة نفوذها في المنطقة بعد فترة طويلة من التواجد الإيراني المستمر ومع تراجع إيران عن بعض حلفائها يمكن للدول العربية أن تستغل هذه الفرصة لإعادة بناء تحالفات إقليمية أكثر قوة من خلال التعاون فيما بينها يمكن للدول العربية تعزيز استقرار المنطقة وتحقيق أمن أكبر في مواجهة التحديات المستقبلية ، وقد تستمر التغيرات في السياسة الجيوسياسية في التأثير بشكل كبير على العلاقات الإيرانية مع حلفائها التقليديين مع ظهور قوى جديدة مثل تركيا وإسرائيل في المشهد لم يعد من الممكن لإيران الحفاظ على دورها القيادي في المنطقة كما كانت في السابق هذه القوى تسعى إلى تحقيق أهداف متوازية مع المصالح الغربية بينما ترى إيران نفسها مضطرة إلى تعديل استراتيجياتها في ظل هذه التغيرات في ضوء ذلك تسعى إيران إلى البحث عن مواقف جديدة تُتيح لها الحفاظ على نفوذها وموقعها الإقليمي ، فإيران التي كانت في السابق محورية في شبكة من الحلفاء في المنطقة تجد نفسها الآن في حالة عزلة متزايدة بدءًا من فقدان نفوذها في سوريا والعراق إلى ضعف علاقتها مع الحوثيين فهى تواجه تحديات هائلة للحفاظ على قوتها في الشرق الأوسط مع استمرارية العقوبات الاقتصادية فإن النظام الإيراني يحتاج إلى تكتيك جديد لإعادة بناء تحالفاته وتأمين مصالحه بشكل أكثر استدامة ، حيث تستمر القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا في التأثير على السياسة الإيرانية بشكل كبير مع عودة الولايات المتحدة إلى التركيز على المواجهة مع إيران وتزايد اهتمام روسيا بتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط تجد إيران نفسها في موقف صعب هذه القوى لا تقتصر على فرض العقوبات فحسب بل تقوم أيضًا بزيادة الضغوط على طهران للحد من تدخلاتها في الشؤون الإقليمية مما يزيد من عزلة إيران على المستوى الدولي .
وبرغم التحديات ما زالت هناك فرص لإيجاد حلول في المنطقة قد تضطر إيران إلى النظر في تبني نهج جديد لتحقيق الاستقرار الإقليمي عن طريق تقليص دعمها للحركات المسلحة في المقابل قد يكون من المفيد للدول العربية أن تسعى إلى بناء علاقات أكثر استراتيجية مع إيران تعمل على تقليل التوترات بينما تحقق مصالحها الأمنية والاقتصادية وبينما يعاني النظام الإيراني من تدهور في علاقاته مع حلفائه التقليديين يمكن للدول العربية أن تسعى إلى إعادة بناء الثقة مع إيران من خلال تبني سياسات دبلوماسية جديدة قد تشمل هذه السياسات فتح قنوات حوار مع طهران حول قضايا الأمن الإقليمي والاقتصاد وهو ما قد يساعد في تخفيف حدة التوترات في نفس الوقت يجب أن تكون الدول العربية يقظة في مراقبة تحركات إيران لضمان عدم تأثير سياساتها على أمنها واستقرارها الداخلي ، وفي ظل هذه الأزمة تسعى إيران إلى ترتيب أوراقها من جديد ربما يشمل ذلك سحب قواتها من بعض المناطق مثل سوريا والعراق حيث تشهد معارك طاحنة وصراعات مستمرة وعلى الرغم من أن هذا قد يضعف موقفها الإقليمي إلا أنه قد يعكس أيضًا رغبة طهران في التركيز على قضاياها الداخلية والاقتصاد الوطني هذه التحركات قد تكون خطوة استراتيجية تهدف إلى تحسين وضع إيران في المستقبل بعيدًا عن الضغوط الخارجية ، إيران الأن تجد نفسها بحاجة ماسة إلى تجديد تحالفاتها في ضوء التغيرات التي تشهدها المنطقة مع تراجع الدعم للحركات التي تدعمها بما في ذلك حزب الله وحماس حيث تسعى طهران للبحث عن حلفاء جدد في المنطقة والعالم كدول مثل الصين وروسيا قد تكون بدائل استراتيجية لطهران في محاولتها لتحقيق استقرار اقتصادي وأمني في ظل الوضع الراهن ، أما سوريا واحدة من أهم ساحات المواجهة في المنطقة بالنسبة لإيران ومع تراجع موقف إيران في سوريا بسبب تقليص دعمها للأسد قد تواجه طهران تحديات كبيرة في الحفاظ على نفوذها في هذا البلد بينما يحاول بشار الأسد تعزيز سلطته بمساعدة من حلفاء مثل روسيا وتركيا فإن إيران قد تجد نفسها في موقف ضعيف من حيث التأثير على سير الأحداث هناك هذه الديناميكية قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في السياسات الإيرانية تجاه سوريا في المستقبل القريب .
كانت إيران تلعب دورًا خطرا في دعم القضية الفلسطينية خاصة من خلال دعم حركات مثل حماس والجهاد الإسلامي ولكن مع تراجع دعم إيران لهذه الحركات قد تجد هذه الفصائل نفسها في وضع صعب في المستقبل قد تبحث هذه الحركات عن دعم من دول عربية أخرى قد تكون أكثر استجابة لمصالحها ما يعني أن إيران قد تفقد تأثيرها المباشر على القضية الفلسطينية ومن أجل الحفاظ على مكانتها الإقليمية والدولية يجب على إيران تحديث سياساتها الداخلية والخارجية تتطلب هذه المرحلة من النظام الإيراني أن يعيد التفكير في استراتيجياته الاقتصادية والسياسية وأن يتجه نحو الانفتاح على الأسواق العالمية مع الحفاظ على استقلاله في اتخاذ القرارات السيادية كما يمثل العراق أحد أهم المحاور في السياسة الإيرانية بالمنطقة وقد شهد تراجعًا في دعم إيران للمليشيات هناك بعد التحديات الأمنية والسياسية التي مرت بها البلاد بدأت إيران تشعر بالضغط نتيجة لتزايد الوجود الأمريكي واهتمام القوى الأخرى بالعراق فإنسحاب بعض الميليشيات المدعومة من إيران في العراق يعكس تحولًا في استراتيجية ، فالعراق الذي كان يُعتبر جسرًا حيويًا للمصالح الإيرانية أصبح الآن ساحة لتنافس النفوذ بين الولايات المتحدة وتركيا ما يجعل إيران في موقف أضعف كما أن غياب التحالفات التقليدية لإيران يضع المنطقة في موقف متأزم حيث تظهر حالة من الفراغ في بعض الملفات السياسية والأمنية هذا الفراغ قد يفتح المجال لتدخلات دولية أخرى مثل الولايات المتحدة أو القوى الأوروبية لإملاء حلول لا تراعي مصالح إيران من ناحية أخرى إذا تمكّن العراق وسوريا من تجاوز تأثير القوى الخارجية فقد يصبحان مركزًا جديدًا للأمن الإقليمي بعيدًا عن الهيمنة الإيرانية .
ولدينا اليمن مثال حي آخر على تراجع النفوذ الإيراني خاصة في ظل تطور الأحداث ، هناك مع الضغوط العسكرية المستمرة من التحالف العربي بدأت جماعة الحوثيين في اليمن تشهد حالة من الضعف الاستراتيجي فإيران التي دعمت الحوثيين خلال السنوات الماضية تجد نفسها الآن في مأزق حيث فقدت الكثير من قوتها السياسية في المنطقة نتيجة لهذا الصراع المستمر .
عكما أن علاقة إيران مع البحرين والإمارات تشهد نوعًا من التأزم المتزايد مع استمرار المواقف السياسية المتناقضة بين الطرفين البحرين والإمارات اللتين تعتبران جزءًا من التحالف العربي ضد التدخلات الإيرانية في المنطقة أصبحتا تشكلان محورًا آخر في الاستراتيجية الإيرانية من جانبها تسعى إيران إلى تقليل تأثير العقوبات والضغوط الإقليمية في الخليج العربي لكن هذا المسعى يواجه صعوبات كبيرة في ظل تحالفات الخليج مع القوى الغربية ولبنان الذي كان أحد الحلفاء التقليديين لإيران بدأ يشهد تغيرات كبيرة في موازين القوى حزب الله الذي كان يُعتبر من أخلص حلفاء إيران في المنطقة يواجه تحديات مالية وسياسية تؤثر على قوته في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان قد تجد إيران صعوبة في مواصلة تقديم الدعم المادي والسياسي لحزب الله كما أن الضغوط الدولية قد تؤدي إلى تقليص دور الحزب في الشؤون اللبنانية.
أما روسيا والصين تظلان من القوى الدولية التي تستفيد من تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة بينما تعمل روسيا على تعزيز علاقتها مع دول مثل تركيا وسوريا والعراق تسعى الصين أيضًا لتعزيز وجودها الاقتصادي في المنطقة عبر مشاريع البنية التحتية في الدول العربية الصين وروسيا تبذلان جهودًا كبيرة لتوسيع نفوذهما في المنطقة على حساب إيران وهو ما يضع طهران أمام خيارات محدودة لتحديد استراتيجياتها المستقبلية وعلى الصعيد الاقتصادي تعاني إيران من ركود اقتصادي حاد نتيجة للعقوبات المتزايدة التي فُرضت عليها هذه الأزمة الاقتصادية تجعل إيران غير قادرة على الوفاء بتعهداتها لحلفائها الإقليميين خاصة في دعم الميليشيات المسلحة هذا الانهيار الاقتصادي له تداعيات كبيرة على اقتصاديات الشرق الأوسط بشكل عام حيث يواجه جيران إيران تحديات في التعامل مع تداعيات انهيار إيران اقتصاديًا الدول الخليجية التي كانت تعتمد على التوازن القوي في المنطقة تجد نفسها الآن في حالة من عدم اليقين حول كيفية التعامل مع هذا الوضع ، إن التغيرات السياسية الإيرانية قد تؤدي إلى إعادة هيكلة التحالفات الدولية بينما يحاول الاتحاد الأوروبي البحث عن حلول مع إيران من أجل العودة إلى الاتفاق النووي قد تتخلى بعض الدول الأوروبية عن إيران بشكل تدريجي لصالح دول أخرى مثل السعودية والإمارات هذا التوجه قد يكون بمثابة إعلان عن تغيير جذري في السياسة الدولية تجاه طهران خاصة إذا استمرت التوترات الإقليمية في التصاعد.
وسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام حول إيران وسياساتها في المنطقة مع تزايد انتشار الأخبار حول تراجع نفوذ إيران في الشرق الأوسط أصبح من الواضح أن الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في رسم صورة سلبية عن طهران هذا التوجه الإعلامي قد يساهم في إضعاف موقف إيران في المفاوضات السياسية مع دول المنطقة ويسهم في تعميق العزلة التي تشهدها ، فالعلاقات الإيرانية الخليجية التي كانت في الماضي حافلة بالتوترات قد تشهد تحولًا كبيرًا في المستقبل في الوقت الذي تسعى فيه إيران إلى إعادة بناء تحالفاتها الإقليمية فإن دول الخليج قد تكون أكثر استعدادًا للتعاون معها إذا كان هناك تغير حقيقي في السياسات الإيرانية ولكن هذا التعاون لن يكون سهلاً في ظل تاريخ طويل من عدم الثقة والعداء السياسي بين الطرفين ومن ضمن التغيرات التي تشهدها المنطقة تقييم العلاقات الإيرانية مع الدول الإسلامية الأخرى إيران تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع دول مثل باكستان وأفغانستان ولكن التحديات الإقليمية والعالمية تجعل هذا المسعى أكثر صعوبة هذه العلاقات قد تساعد إيران على إيجاد توازن جديد في سياستها الخارجية ولكن نجاح هذه العلاقات يتطلب تغييرات جذرية في السياسة الداخلية الإيرانية ومنذ سنوات كانت إيران تمثل الزعيمة الرئيسية للمعسكر الشيعي في المنطقة لكن مع التراجع المستمر في قوتها ونفوذها بدأت تظهر ملامح جديدة لهذه المعركة قد تجد بعض الدول الشيعية مثل العراق ولبنان واليمن نفسها في موقف حرج إذا لم تتمكن إيران من الاستمرار في تقديم الدعم المادي والسياسي لهم هذا التراجع في الهيمنة الإيرانية قد يفتح المجال للعديد من القوى الأخرى بما في ذلك السعودية وتركيا للعب دور أكبر في دعم هذه الحركات ورغم تراجع نفوذها لا تزال إيران تلعب دورًا في بعض الصراعات الإقليمية في الوقت الذي يزداد فيه الضغط عليها من جميع الجوانب تحاول إيران الحفاظ على وجودها العسكري في بعض النقاط الاستراتيجية ولكن التحديات الاقتصادية والسياسية قد تجعل هذا الدور في المستقبل محدودًا.
ما يمكن استخلاصه من التراجع الإيراني في المنطقة هو أن إيران بحاجة إلى تغيير استراتيجياتها بشكل جذري إذا أرادت الحفاظ على نفوذها في المستقبل من خلال الانفتاح على الخيارات الدبلوماسية والاقتصادية قد تتمكن إيران من استعادة بعض قوتها ولكن ذلك يتطلب إعادة تقييم حقيقية للسياسات الخارجية والداخلية .