الرئيسيةمقالات“الأسود الشرسة” بقلم محمود عبد الظاهر
مقالات

“الأسود الشرسة” بقلم محمود عبد الظاهر

“الأسود الشرسة” بقلم محمود عبد الظاهر

 

غادرَ جمالُ وتركني واقفًا متكئًا على قضبان السكة الحديد… لو لم أبتعد لحَفَرَ القطارُ لحمي وعظمي.

لكن، يا محمد، هل تعرف ما المشكلة؟ المشكلةُ أنه لو حدث أمرٌ ما — فلن يطالب الشعبُ بعودتي كما فعل مع جمال…!

 

قضِيَ الأمرُ الذي فيه تُستفتى الأَرْآء… لقد اتخذتُ القرار يا محمد. أتراني تُسمعني؟ لقد اتخذتُ القرار… وعلى بركةِ الله.

 

توضيح: ما سبق عن مثلنا الأعلى ومعلمنا الشهيد محمد أنور السادات، وبعيدًا عن لعبة الخداع الاستراتيجي التي نفذها، وهي خطة ستُدرَّس في الأكاديميات العالمية. وبعيدًا عن توقيت القرار وشجاعته، هناك أمرٌ مهمٌ فعله السادات لم يلتفت إليه كثيرون.

 

عمل السادات على تحويل الجندي المصري إلى حالةٍ من الشراسة — جعله «جائعًا للحرب». كلما رأى جنودَ المحتل يرقصون ويغنون ويمارسون السباحة على الضفة المقابلة ازدادَ في قلبه الغيظُ والسخط، وتملَّكه الشوقُ لاسترداد كرامته المهانة. ومع طول فترة التجنيد وقسوة التدريبات ازداد هذا الشوق، حتى تَمنى لو صدرَ إليه الأمر ليردَّ اعتباره ولو بتقديم نفسه شهيدًا.

 

كلما سمع الإهانات من الأعداء أو حتى من بعض أبناء وطنه بسبب عدم قدرته على القتال، زاد إصراره على إثبات أنه على غير ظنّ الساخرين، وأنه من خير أجناد الأرض. ثم صدر الأمر — في رمضان، في الثانية ظهرًا، في عز الحرّ — فخاض المصريّون المعركة مؤمنين، راغبين في الشهادة، مجاهِدين صائمين.

 

تخيل جنديًا بكل ذلك الغضب والرغبة، يرى النتيجة في عيون رفاقه قبل أن يخوض المعركة: شرارةٌ في صدورهم ستحرق الأعداء. وحقًا، وقع ما لم يُعرف مثيلٌ له: وجدوا جنديًا مصريًا شهيدًا وسط قتلى الجنود العدوانيين كلهم أصابتهم رصاصاتُ «الأسد المصري» ما عدا واحدٍ. لم يركن ثأرُه إلى الانتقام وحده، بل بقيت فيه نزعةٌ شديدة على إثبات الذات حتى في لحظة الاستشهاد.

 

قبل الحرب بأيام أراد السادات أن يطمئن بنفسه، فزار أولاده على الجبهة. وما وجدوه بعدها أثار الدهشة: آثار عنفٍ لا توصف، ودلالةٌ على شراسةٍ دفينة. لقد لم يرضَ الجندي المصري أن يودع الحياة إلا وقد بلغ الثأر غايته.

 

أكتوبر 1973 رسالةٌ واضحة: أرض مصر كرامتها، ومن أراد السلام فالأبواب مفتوحة، ومن أراد العداوة فسهامُ العزة لا تضِلّ هدفها. رسالةٌ مفادها أن السلاح في يد الجندي، وأن لدينا أسودًا لا تُقهَر.

 

ما يفعل الحديد أمام النار؟ الجيش المصري نار — لا تلعبوا بها ولا تُجَرِّبوا معها. نحن ننشر تراتيلَ السلام، وبيوتنا عامرةٌ بالكرمِ والسماحة، لكن خلف ذلك كنانةٌ مسمومةٌ من سهامٍ تدافع عن السلام والسنابل والبيوت العامرة.

 

تحية إجلالٍ لكل من تشّرف بارتداء زيِّ العزّة والشرف، لكل من انتسب إلى الهاماتِ العالية — تحيةٌ لكلّ من قضى نَحبَه منهم ومن ينتظر رجوعَه.

نحن على الحق المبين.

يوم العزة والكرامة.

خيرُ أجناد الأرض. تحيا مصر.

“الأسود الشرسة” بقلم محمود عبد الظاهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *