إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد، ذكرت المصادر التعليمية والتربوية الكثير عن فهم لغات الطيور والحشرات وقد توصل بعضهم إلى نتائج باهرة، أماطت اللثام عن حقائق ظلت ردحا من الزمن تحيّر العقول والألباب، وكما هو الحال في لغة النحل، فقد كان الناس يعجبون لتجمهر النحل على مصدر الرحيق، بعد زيارة نحلة واحدة له، حتى جاء البروفيسور فون فريش بتجاربه التي إستطاع من خلالها إثبات أن للنحل نظاما دقيقا في تعامله، يوازي النظم البشرية، ويتحداها في التنظيم وتوزيع الأعمال والأدوار، وحسن التعاون، وقد بات معروفا الآن أمر اللغة التي تتم بين النحل داخل الخلية وخارجها.
والمعروف أن هذه الخلية تضم الشغالات والملكات، والذكور والجنود، وتتقاسم هذه العائلة العمل فيما بينها للحصول على مصدر الغذاء، فالشغالة تخرج للبحث عن الغذاء، فإذا وجدته تعود إلى بقية النحلات في الخلية، وهي تهتز لا إراديا بعدة رقصات أمام هذه النحلات التي تستطيع فَهْمَ معنى كل رقصة عند رؤيتها تؤدى أمامها، وقد ذكر فريش أن النحل قادر على تمييز أربعة ألوان، هي الأصفر والأخضر والأزرق، واللون فوق البنفسجي، وهناك نوعان من الرقص تؤديهما النحلة الشغالة، هما الدائري، والإهتزازي، والنوع الأول يؤدى عندما تكون المسافة بين الخلية ومصدر الغذاء لا يتعدى خمسين مترا، وتشارك بقية النحلات الشغالة الرقص لا إراديا أيضا، وأما إذا زادت المسافة عن ذلك، فتتغير الرقصة إلى أخرى إهتزازية، تطير فيها الشغالة في خط مستقيم.
لمسافة قصيرة، ثم في حركة نصف دائرية، يتحرك معها الجزء السفلي للجسم، فتدور نصف دائرة إلى اليسار، ومثلها إلى اليمين، مع هز بطنها في كلتا الحركتين، وهذه الرقصات تنبئ عن بعد الخلية عن مصدر الرحيق، فإذا تكررت الرقصة عشر مرات كل خمسة عشرة ثانية، كانت المسافة بينها تسعون مترا، وإن بعدت المسافة إلى تسعمائة متر، تكررت الرقصة خمس مرات كل خمسة عشر ثانية، وهكذا نرى أنه كلما بعدت المسافة، بطؤ الرقص، وقلّ الحماس، وتستطيع الشغالة كذلك تحديد الاتجاه المطلوب للوصول إلى هذا المصدر، بواسطة النوع الثاني من الرقص، والنحلة هنا تهتز وتهز بطنها بالزاوية نفسها مع قرص الشمس، وقد لاحظ فريش ومعاونوه إختلاف الرقصات في المساء عنها في الصباح، ففي هذا الوقت تكون الحركة في خط مستقيم.
ثم تميل في المساء بميل قرص الشمس، فإذا إتجهت الشغالة في خط مستقيم إلى أعلى مباشرة، فمعنى هذا أن مصدر الإغتذاء في إتجاه الشمس، وإن اتجهت في الخط إلى أسفل، فالمصدر في الاتجاه المضاد للشمس، وإن اتجهت في خطها المستقيم بزاوية ستون درجة، كان الغذاء في الزاوية نفسها، وهكذا، ورغم إحتجاب الشمس خلف السحب، ففي مقدور النحل رؤيتها، فالعناية الإلهية أودعتها عيونا تتجمع فيها الرؤية في نقطة معينة بدل تشتتها، وهذه القدرة في رؤية لون الأشعة فوق البنفسجية، يستخدمها النحل لإختراق السحب الكثيفة، والله جلت قدرته زوّد الكلب بحاسة شم قوية جدا، أفاد منها الإنسان في إقتفاء الأثر، وحاسته السمعية تفوق حاسة الإنسان بأربع مرات، بارك الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.