سمير الدسوقى يكتب
(التعليم بين الإنجاز و التهييس )
الجمعة 26 يناير 2024
– هل آن لنا أن نصرخ معاً صرخة حقّ مدوّية ؛ لعل صداها ينقذنا ، ونتعجل بها مايبدو أنه حدث بالفعل ، وسنعانى من آثاره فى المستقبل؛ فالعثور على الدواء أمرٌ صعبٌ ، ولكنه ليس مستحيلًا ، إذْ يسلتزم دراساتٍ عميقةً ، دأبُها الصبرُ ودقةُ الملاحظة ، وبعدها نعثر على الدواء الشافى .
– الأميُّةُ فى مصر مُخْجِلةٌ واسعةُ الانتشار ، حتى وصلت نسبتها إلى رقم مذهل سلباً وليس إيجاباً ، وأقصد بالأمية هنا أمية المتعلمين ، وخاصة خريجى الجامعة ، وكان الأحرى والأنفع أن يُوجُّه هؤلاءِ الخريجون إلى الحرف والأعمال الفنيّة لإيجاد العمّال والفنيّين المهرة ، وتبقى الجامعات للأفذاذ من الطلاب ؛ فالقاعدة تقول : ” ليس الظلمُ فى إعطاء العلم لغير المستحق بأقلِّ من الظلم فى منع المستحق ” .
– وزارة التربية والتعليم نراها تشن الحرب الضروس على الدروس الخصوصية والقضاء عليها ؛ لأنها ترهق الأسر المصرية ماديا وتثقل كاهلهم، ومن أجل ذلك أوجدت الوزارة المنصات الإلكترونية التي تكلف الأسر للدخول عليها باقات مدفوعة لشركات الاتصالات ، كما أنها أعادت فكرة مجموعات التقوية في المدارس ؛ لترفع من حال المعلم ماديا، وتزيد الكلفة على الأسر المصرية ، وأكدت وزارة التربية والتعليم إتاحة البريد الإلكتروني الموحد والذى يخدم أكثر من 20 مليون طالب من الصف الرابع الابتدائى حتى المرحلة الثانوية والدبلومات الفنية وجميع المعلمين، وأيضا أنشأت نظاما للمرحلة الثانوي إلكترونيا، وبنكا للمعرفة وامتحانات بأسئلة اُدُّعي أنها لن تكون من الكتاب المدرسي الذي فيه المنهج المشروح علي منصاته والقنوات التعليمية ، ولكي يجبر طلاب الشهادات علي الدخول على هذه المنصات المدفوعة، ادُّعيَّ أن الأسئلة الامتحانية متاحة وهذا يخالف سرية الامتحان، وهذا نراه قمة الفذلكة والتناقض الغريب .
– وعودة لسبب فقد الأسر المصرية الثقة في التعليم والمدارس الحكومية، فهي – أي الأسر المصرية – تلجأ للدروس الخصوصية علانية بسبب أن اليوم الدراسي وقته قصير، وكذلك قصور في التدريس لأن المعلمين كلهم أو غالبيتهم العظمي صاروا على درجة خبير أو بدرجة كبير ( يعني بدرجة وكيل وزارة)، فهم فقدوا الطموح أو الحفاظ علي مستويات التعلم والارتقاء بها ، وفي النهاية أصبحت المدارس خاوية على عروشها، كما أصبحت الأسر المصرية حائرة بين منصات الوزارة التعليمية وبين المحتوى التعليمي على الرغم من قمع الدروس الخصوصية في سناتر غير مرخصة، ولا حتى مؤهلة لتقديم العلم، فإن الأسر المصرية لجأت إلى المدرس الخاص في منازلها والذي يكلفها ماديا..
– إذن السؤال الأهم هو، لماذا تلجأ الأسر المصرية إلى الدروس الخصوصية ؟.
ببساطةتلجأ الأسر المصرية إلى الدروس الخصوصية ؛ لأن الثقة في عندها، موجودة في المدرس الخاص الذي يشرح المحتوي المقدم للتعلم النشط والتقييم الذاتي، وليس ثقة في معظم نشاطات الوزارة بتخصيص عدد من وسائل التعلم النشط ، وأيضا ليس ثقة في وزير يعرض خطة قانون منقوصة وغير واضحة المعالم لامتحانات سنة مصيرية كالثانوية العامة.
– ولو قُدِّر للمختصين القيامُ بعمل مسح إحصائى، حتى فى جامعات مصر لقرّروا أن آلافاً – وليس الجميع – من الطلاب الذين يجلسون فى قاعات الدرس والمحاضرة أو فى معامل العلوم بل والطب ، كان الأجدر بهم والأنفع لوطنهم لو- كانوا – اتجهوا إلى الحرف زراعية وصناعية بأنواعها .
– كما أن هناك أميّة خطيرة مقنعة ، نسمّيها ” الأميةَ الفكرية ” فآلاف بل ملايين ممّن يعرفون القراءة والكتابة ويحملون الشهادات الجامعية على جدران بيوتهم ، لايستعملون هذه المعرفة فيما يعلو بشأنهم الثقافى ، وذلك نوع خطير من الأمية يُتحمِّ أن نعرف كدولة ٍ الطريق لعلاجه ، لأنه ثمرة عطبة تفسد باقي الثمار في سلتها من ثمار مجانية التعليم الزائفة .
– إذنْ مجانية التعليم فى مصر لا وجود لها ؛ فأولياء أمور التلاميذ وطلاب الجامعة يدفعون من أموالهم الآن للدروس الخاصة أضعاف ماكانوا يتحملون قبل مجانية التعليم ، وأيضا لا يوجد بيت فى المحروسة إلا والدروس الخاصة تغزوه غزوَ الجراد المهلك للأخضر واليابس ، حتى صار الأهالى يديرون مدارسَ فى بيوتهم .
– وبسبب تكدس الطلاب فى الجامعات، ظهرت فى مصر مشكلة نقص العمالة الماهرة واستيرادها من دول شرق أسيا ، ثم ننادى بتنظيم النسل!.
وأيضا بسبب ” التوك توك ” الذى انتشر فى مصر ، واتجه إليه أصحاب المهن والحرف التى قلّ دخُلها ، وأنذركم ، فبعد أقل من عشرة أعوام ستختفى المهن والحرف فى مصر ونكون مستوردين للعمّال المهرة بسبب التوك توك .
– إنها معادلة صعبة ، فالشكوى من كثرة العدد من جانب ، وقلة العمال و الحرفيين المهرة من جانب آخر، هي بمرارة الحنظل فى حلوقنا .
والحل لهذه المعادلة الصعبة فى أيدى وزارتى التعليم ، حتى لا نتباهى زيفا بمجانية التعليم ، وأرجو أن تقتصر هذه المجانية على مرحلة التعليم الأساسي فقط ، ثم يكون التعليم المهني الزراعي أو الصناعي بكل مجالاته، ومن ثم تكون الجامعة للفائقين الأفذاذ من الطلاب.
– إنها دعوة خالصة أرجو أن تنال عناية الجميع ، ليكون جيلنا حامل الراية نحو مجد الوطن . فذلك فضل عظيم .
تحيا مصر .تحيا مصر . تحيامصر ..